الخميس، ديسمبر ١٦، ٢٠١٠

هذا ميراثنا.. فهل من وارث؟!

تدرجنا معًا فى الطريق إلى الله فقرأنا كتاب التربية والسلوك للإمام العلامة على جمعه وتعرفنا مثلا على خطوات الطريق إلى الله، وتحدثنا عن طريق الفرد إلى الله والفرد (العبد) هو واحد من الكل (الأمة) وعرفنا الطريق إلى الله بالعبادات كالصلاة والطوم ومحبة النبى ، ولكن نحن هنا نمشى فى طريقنا إلى الله بطريقة مختلفة ونتائجها لا تقتصر على الفرد (العبد) وحده ولكن نتائجها قد تعم الكل (الأمة) وهذا الطريق مقصوده الكل (الأمة) التى تشمل بالطبع الفرد (العبد).
ونحن هنا لن نبدأ من جديد، ولكننا سننطلق ـ إن شاء الله ـ من حيث توقف الوارثون عن تلقى ثرواتهم والتصرف فيها، فهيا نتعرف على هذه الثروة والميراث فى كتاب العالم الربانى محمد فتح الله كولن "ونحن نقيم صرح الروح" فيبدأ بالتعرف على العالم الإسلامى "يمر العالم الإسلامي كله في عصره القريب الأخير، بأشد أزمة واجهَته في تاريخه، من حيث الاعتقاد والأخلاق والنمط الفكري والمعارف والصناعة
العادات والتقاليد والأوضاع السياسية والاجتماعية... ومن أشد ما يؤلم، أن هذا العالم وقد ابتعد عن المحركات التاريخية والقيم الإسلامية التي رفعت هامته قرونا طويلة، وقع أسيراً في قيود الجهل والانحلال الأخلاقي والخرافة والأهواء البدنية والجسمانية، فانحدر من هنا إلى مهاوي الظلام والخسران، وانحدر من هاوية إلى هاوية... مبعثراً، كحبات المسبحة إذا انفرط
يطُها، أو كصفحات كتاب انحل عقدُها، مهاناً تحت الأقدام... مهزوزاً ومزعزعاً، كدحه هباء وكفاحه عقيم، مقصوم الظهر بألف تفرق وتمزق... حائراً حتى البله إذ يغنّي أناشيد الحرية وصدره يتشظى أنيناً في أعظم أنواع الأسر عاراً... أنانياً بلا هوية. أعلن العصيان على الله والرسول متمردا على الأفكار المحظورة(!) لكنه صار بائساً أشد من البؤس نفسه تنهشه مخالب كثير من الأفكار المحظورة الأخرى... بل مطلقِ المساس بها وإن كان إيماءً!.
ويتحدث عن وارثو الأرض "الدنيا تدور، وتدور. وكلما دارت، تنسحب إلى فَلَكها الأصل. فهل وارثو الأرض الحقيقيون جاهزون لاسترداد ميراثهم الذي أضاعوه، فخطفه غيرُهم قبل مدة؟ إن الحق الأول شيء، والحق المستلم بالتمثيل شيء آخر. فالحق إن لم يُمَثّل حسب مقاييس قيَمه الذاتية، يمكن أن يُسترد في كل وقت، وإن مُنح ابتداءً لأمة معينة وَجَمْعٍ معين... فيُستَرد منهم، ويُسَلَّم إلى من يكونون الأسبق والأفضل نسبياً في الخير، إلى أن ينشأ الممثلون الحقيقيون...ولئن حرّم مالكُ الملك الحقُّ الإرثَ عمن ادعى وراثة الأرض الحقيقية في مرحلة تاريخية كثيفة بالضباب والدخان، لأنهم لم يبذلوا الجهد اللائق بالوراثة السماوية كما ينبغي، فإن الخلاص من هذا الحرمان يبدأ من اللجوء إليه تعالى مجدداً... فلنسعَ مرة أخرى في إثبات أننا وارثو الأرض الحقيقيون بفهم الإسلام، مصدرنا الكافي لانبعاثنا المادي والمعنوي، كما هو في أصله، ثم بالانخراط في جموع عباد الله الصالحين: السالمين المتينين عاطفة وفكراً وحساً
شعوراً وإرادة، الثابتين القائمين على إعلاء كلمة الله، المنظَّمين في حياتهم العلمية... الموثوقين في سلوكيات العمل، المستقرين في شخصياتهم، القادرين على دحر نوازعهم النفسانية، الموفقين إلى ارتفاق القلب والعقل.
فعلينا أن نواصل المسير في هذا التوجه المفقود والخط المضيّع، بتوفيق الله تعالى ومشيئته."
وفى أثنا إكتشافنا خط السير يقول "إن إزالة هذا الانحراف الهرِم، المادّ جذوره إلى عصور خلت، المُمَدّ بالعلم والتكنولوجيا في عصرنا، بحاجة إلى اكتشاف أنفسنا من جديد، والعثور على ذاتنا، وإثارتنا للشعور الإسلامي من جديد بمنطق إسلامي وعقل إيماني، وإلى جهد متواصل وهمّة أصيلة وزمان كاف وصبر غير نافد وأمل حيوي وإرادة صلبة وتأنٍّ بعد تأنٍ. وبخلاف هذا، إن لم نجد أسلوبنا الذاتي، ولم نبرح تخبطنا في البحث عن سبل الخروج من الحفرة التي سقطنا فيها في غير مظانها، فإننا نخدع أنفسنا ونعرض الأجيال القابلة إلى الانكسار مرة أخرى.... فالخير في أن يتخصص امرؤ في فرع من الفروع، ثم يرتقي إلى ذروة عرش الكمال فيه، ويسعى إلى نيـل أرقى المنى في تلك السـاحة... لكن مع العناية بمعنى الكل ومحتواه وحاله، بل بمقصده وغايته، في أثناء سعيه وجده. ولا بد أن يتحقق هذا، سـواء بالشعور التضامني المشترك، أو بسائق العلم والحس، أو بعمل منسق متكامل، أو بالدهاء العقلي. فلا شبهة ولا شـك في حاجتنا الماسـة إلى هذا النظر الكلي والشمولي، والتقييم العمومي والموضوعي. نعم، الحاجة ماسة في أيامنا إلى عقلٍ موضوعي يتصور الأمس واليوم معاً، قادرٍ على التمعن في الكائنات والإنسان والحياة دفعة واحدة، موهوبٍ في الموازنة والمقارنة، منفتحٍ على بُعد أسـباب الوجود وعلله، محيطٍ بظهور الأمم والجماعات واضمحلالها، حَكَمٍ فيما يغلط فيه علم الاجتماع وعلم النفس أو يصيب، رقيبٍ على تحول أحـوال الحضارات بالولادة والموت والتقهقر، مقتدرٍ في التمييز بين الغاية والوسيلة، مالكٍ لسلامة الوجدان واسـتقامة الفكر، محترمٍ للمقصد، خبيرٍ بحكمة التشريع ومراد صاحب الشـريعة، عالمٍ بالأسس المحضة لأحكام الدين، مُستَقْبِلٍ للواردات الإلهية."
نحن نلخص خط كفاحنا كورثـة الأرض بكلمتي الحركية والفكر. وإن وجودنا الحقيقي لا يتم إلا عبر الحركية والفكر... حركية وفكر قادران على تغيير الذات والآخرين. والواقع أن كل كيان ثمرة حركة ومجموعة من المبادئ والتصورات، كما أن بقاءه مرتبط باستمرار هذه الحركة وتلك التصورات.... أن الباعث على انقطاع الإنسان عن الوجود وبقائه وحيداً بذاته، هو الشهوات البدنية والصراعات الواقعة في أطراف الجسمانية. وكل سلوان فارغ الفحوى وذي بُعد وهمي، يرجع في جذوره إلى تلك الشـهوات البدنية والصراعات الجسمانية. إن دنيا رجل الحركية والفكر الحقيقي، وسعادته في دنياه، ذات تلونات عالمية الشـمول مؤطرة بالأبد. فكأن دنياه لابداية لها ولا نهاية، أو أنها تتجاوز تصوراتنا. ولذلك، نتذكر أمثال أولئك حينما نقول "الإنسان السعيد". وهل تسمى "سعادة" بحق سعادة لها نهاية أو بداية؟.. فمن البديهة أن كل تصرف للمؤمن الحقيقي عبادة، وكل فكر منه مراقبةٌ، وكل كلام له مناجاةٌ وملحمةُ معرفةٍ، وكل مشاهدة منه للوجود تطلّع وتدقيق، ثم كل مناسـبة بأهل وطنه شفقةٌ رحمانية. وإن بلوغ هذا المعيـار من الرحمانية مرتبط بالانفتاح على الأحاسيس، فالمنطق والمحاكمة، ثم من المنطق والمحاكمة إلى الإلهام فالواردات الإلهية. وبإفادة أخرى، من العسير الارتقاء إلى هذه الذروة ما لم تمرر التجربة من مصفاة العقل، وما لم يُسلّم العقل نفسه للفطنة العظمى وما لم يقع المنطق في حال الحب عينه، وما لم ينقلب الحب أيضاً إلى العشق الإلهي. فإن تحقق، فبهذا النظر يكون العلم بُعداً من أبعاد الدين وخادماً لـه، والعقلُ طيفَ نور يصل به الإلهام أينما يشاء، والمكتسبات التجريبية منشوراً يعكس روح الوجود... ويصدح كل شيء بصوت أناشـيد المعرفة والمحبة والذوق الروحاني.
فيجب علينا "الابتعاد عن أثقال النفسانية ودوافعها كافة، والانفتاح على الروحانية، والنظر إلى الدنيا والعلم بها كصالة انتظار إلى الأخرى. وبإفادة أخرى، يتحقق هذا بتعميق الكمية في عباداتنا إلى النوعية، وبإطلاق النقص الحاصل في رياضية الأوراد والأذكار إلى الآفاق
للامتناهية بالنية والخلوصية، وبالمعرفة والاعتبار واليقين في دعواتنا ومناجاتنا وبثنا إلى الذات الإلهية الأقرب إلينا من أنفسنا. ولا يعي هذا المعنى إلا الذين يحسون الصلاة كالطائف في المعراج، ويستلذون من أداء الزكاة كحافظ الوديعة أو موظف التوزيع، ويعيشون الحج كندوة عالمية لتداول معضلات العالم الإسلامي، وفي أرضية يرصدون فيها نورانية ومهابة الروح والقلب والأبعاد الأخروية."... فإن تمثيلا في هذا المستوى لقادر في زمن قصير على تحقيق تصدرنا للأمم الأخرى في العلم والفلسفة والفن وحياتنا الدينية، وتقويم وحدات الحياة كلها على الطريقة المثلى، وجعْلِ أبنائنا المتشردين المنفلتين في الشوارع -سواء الدارسين منهم أو الأميين- رجـالَ الغد في الفكر والصنعة والمعرفة والفـن. فتتنفس الأزقة والشوارع هواء العرفان وكأنها أركان المدارس، وتصير السجون أوكاراً للعلم، وتزين الخمائلُ البيوتَ كزوايا الجنة. وفي كل مكان يسير الدين مع العلم يداً بيـد، وينثر احتضان الإيمان والعقل ثماره في كل صوب، وينبت ويزدهي المستقبل في صدر الأماني والآمال والعزم بألوان وأفنان لا يضاهيها خيال "المدن الفاضلة"، وتنشر التلفزيونات والراديوات والصحف والمجلات في جو الفضاء الفيوضات والبركة والنور، ويرتشف الكوثر كل قلب سائح في ربيع الجنة هذا ما خلا الذي كالرميم المتخلف من التاريخ."
ويستعرض إنسان الفكر والحركية "إنسان الفكر والحركية هو رجل الانطلاقة والحملة الحركي المخطط الذي يقوم ويقعد على خفقان شد العالم بالنظام مجدداً، ويمثل حركة إقامة صرح الروح والمعنى من جديد بعدما آل إلى السقوط ومنذ عصور، ويُفسر قيمنا التاريخية كرة أخرى، ويستخدم بمهارة مكوك الإرادة والمنطق في الفكر والحركة، وينقش على قماش روحنا ومعنانا زخارف مستظرفة وجديرة تناسبنا.

فهو في خط الحياة الممتد على مدى فصولها من الحس إلى الفكر، ثم إلى الحياة العملية، يتنفس النظام دوماً، وينشغل بحس البناء والإنشاء أبداً. إنه وليّ الحق اللدني الذي يُعِدّ "قادة أركان" الروح ومهندسي العقل وعمال الفكر، بدلاً عن استخدام القوة المادية لفتح البلاد ودحر الجيوش، وينفخ بلا كلل نَفَس البناء والإعمار فيمن حوله، ويرشد أعوانه إلى سبل عمران الخرائب. وليٌّ للحق جياش بالشوق والشكر، استطاع أن يوحد إرادته مع المشيئة المطلقة، وأن يحول فقره إلى الغنى، وعجزه إلى القدرة عينها. إنه لا يقهر أبداً ما دام يستخدم مصادر قوته هذه كما ينبغي وبحس الإخلاص والوفاء لصاحبها. وحتى حين الظن بأنه قد هُزم، فستجده على رأس فوج آخر للنصر والظفر."

ومن أمثلة هؤلاء أحمد حلمى فيليبه لى وفريد قام ومصطفى صبرى بك وأحمد نَعيم بَابَان زَادَه.... ومحمد عاكف وبديع الزمان سعيد النورسى.

ويتحدث عن صفات وارثو الأرض فيلخصهم فى ثمانى صفات. الوصف الأول لوارث الأرض هو الإيمان الكامل.والوصف الثاني للوارث هو العشق الذي يُعد أهم إكسير للحياة في الانبعاث من جديد. والوصف الثالث للوارث هو الإقبال إلى العلم بميزان ثلاثية العقل والمنطق والشعور. والوصف الرابع للوارث هو إعادة النظر في قراءته للكون والإنسان والحياة، وبالتالي مراجعة تصوراته الصحيحة منها والخاطئة. والوصف الخامس للوارث هو أن يكون حرًّا في التفكير وموقِّرًا لحرية التفكير. ويتحدث عن أن كل شيء اليوم توسع في التفريعات توسعًا يعجز الفرد الفريد عن حمل العبء، فحلت الشخصية المعنوية والتشاور والشعور الجمعي محل الدهاء. وهذا هو خلاصة الخطوة السادسة لورثة الأرض. والوصف السابع للوارث هو الفكر الرياضي. والوصف الثامن وهو رؤيتنا الفنّية. لكني بناء على ملاحظات معيّنة، أكتفي هنا بقول جولفر: "بعض الأوساط ليست على استعداد حتى الآن للانخراط في هذه المسيرة بمقاييسنا".

ويتحدث فى باب كامل عن الشورى وأهميتها "الشورى وصف حيوي وقاعدة أساسية لربانيي اليوم كما كانت للورثة الأولين. فهي في القرآن أبـرز علامات المجتمع المؤمن وأهم خصوصيات الجماعة التي تهب قلبها للإسلام. وتوضع الشورى في القرآن الكريم صفاً واحداً مع الصلاة والإنفاق ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾(الشورى:38) فينبه المولى تعالى إلى أن الشورى تعامل يترادف مع العبادة، ويبين هذه المسألة الحيوية في الأمر الإلهي بالاستجابة لله تعالى وذكر ضرورات الاستجابة ونتيجتها: الصلاة والشورى والإنفاق.

ويقول "قد يمط بعضهم شفتيه استخفافًا إذا ما ذُكِرتْ القيم الأخلاقية والأعماق الداخلية للإنسان وأهمية الحياة القلبية والروحية؛ لكن ما من شك في أن السبيل الواصلة إلى الإنسانية الحقيقية تمر عبر هذه القيم والحركيات السامية... وعندنا ـ كما هو فى حقيقة الإسلام الخلاص من المسؤلية أمام الله تعالى مرتبط بالجهد والهمة فى البحث عن طرق هذا الخلاص. نحن نرى سلامة مستقبلنا البعيد والقريب فى أن نكون ملجأ للأرواح الأخرى، وفى ضخ النور فى الإرادات الأخرى، وفى إعلاؤ القلوب الأخرى إلى الذرى...فعلى الإنسان أن ينظر إلى كل شيء وكل أحد بعين القلب، ويقيّمه بموازين القلب المتأهلة للاعتبار والتقدير لكي يعرف نفسه وما حوله حق المعرفة. ولا ينبغي أن ننسى أن الذي لا يحافظ على طراوة قلبه وصفوة روحه في كل أوان، ولا يقي نقاءه وطهره كنقاء وطهر الأطفال برفقة ثرائه الذهني والفكري والحسي في كل وقت، لن يوحي بالثقة إلى من حوله ولن يحوز على التصديق والإقناع قطعًا، مهما توسع في رحاب العلم والأدب والخبرة....فنحن لسنا بحاجة إلى حسنات ونُظُم فكرية تُستجدَى من الخارج أو الداخل، بل حاجتنا الماسة هي إلى أطباء روح وفكر يحفّزون في كافة أبناء أمتنا حس المسؤولية وشعور الهمّ المقدس... أطباء روح وفكر يُمَكّنون أرواحنا من الانفتاح إلى أعماق الماوراء وآفاق الغيوب بدلاً عن وعود السعادة المؤقة الزائلة، ويرفعوننا بخطوة واحدة إلى مراتب نرى فيها المبدأ والمنتهى معًا وسوية.

نعم، ننتظر أبطالاً يعشقون المسؤولية والقضية إلى درجة يتخلون فيها حتى عن دخول الجنة إذا لزم الأمر، بل وينقبّون عن مخرج إذا ما دخلوها من أجل توفية المسؤولية حقها... أبطالا يقولون: "واللهِ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركتُه أو أهلِك دونه".نعم إنه أفق نبوي... وإن عقلا ممتلئا بأنوار يستمدها من هذا الأفق يقول متى استوجب الأمر خاضعا خاشعا: "ليس في قلبي رَغَبٌ في الجنة ولا رَهَبٌ من جهنم... وإذا رأيتُ إيمان أمتي في خير وسلام فإنني أرضى أن أُحرَق في لهيب جهنم..." أو يمد ذراعيه متضرعا مبتهلا: "إلهي، ضخِّم بدَني حتى تملأ به جهنم، فلا يبقى فيها مكان لغيري.." فتهتز السموات بأنينه وبكائه. إن إنساننا يحتاج اليوم أمس الحاجة إلى أبطال العمق اللدنيين الذين يذرفون الدموع على آثام أمتهم، ويقدمون مغفرة البشرية وعفوها على مغفرة أنفسهم، ويفضلون الوقوف والعمل في "الأعراف" سعداء بسعادة سكان الجنة، وحتى إذا دخلوا الجنة لا يجدون وقتا للاستمتاع بملذاتهم الشخصية."

وأصدقكم القول أنى لا أستطيع أن ألخص هذا الكتاب الماتع فى كلمات قليلة فى هذه التدوينة، رغم أنى نقلت لكم بعض أجزاء قليلة من الكتاب كنت قد خططتها أثناء القراءة ولهذا أدعوكم أيها القراء الكرام إلى قراءة هذا الكتاب لإقامة الأمة من جديد. ويمكنكم قرائته على موقع الشيخ فتح الله كولن.ويمكنكم قرائته على موقع الشيخ فتح الله كولن.ويمكنكم تنزيل هذا الكتاب من هنا

وفى النهاية لا يمكننى إلا أن أقول كما قال جلا الدين الرومى:

ما أحسن أن تهاجر من أرضٍ كل يوم،

ما أجمل أن تحط فى مقامٍ كل يوم،

ما أطيب أن تنحدر، زلالا ُ بلا جمد ولا كدر،

أمس، رحلت نفسى الحبيبة، أمس،

فالكلام كله يرجع إلى أمس،

وينبغى أن نقول شيئُا جديدُا الآن.


الخميس، نوفمبر ١٨، ٢٠١٠

التربية والسلوك


إذا نزل الغريب فى بلد فإنه يستعين بمرشد أو يهتدى بخريطة لتدله على الطريق، ولكن ماذا عن الغريب الذى نزل إلى هذه الحياة؟! ألا يحتاج هو أيضًا إلى من يدله على الطريق؟ أم أن عقله القاصر وحواسه الخادعة سيوجهانه نحو الطريق؟
فهيا بنا نحو الطريق.
ولكننا لم نحدد أى طريق؟!
إن الطريق الذى يمكن أن نقول عنه إنه طريق. هو الطريق إلى الله، لكن كيف نستدل على هذا الطريق؟ وبمن نستعين؟!
عن ابن عباس ، قال : قدم ضماد مكة ، وهو من أزد شنوءة ، وكان يرقي من هذه الرياح ، فسمع سفهاء من سفهاء الناس يقولون : إن محمدا مجنون ، فقال : آتي هذا الرجل لعل الله أن يشفيه على يدي . قال : فلقيت محمدا فقلت : إني أرقي من هذه الرياح ، وإن الله يشفي على يدي من يشاء ، فهلم . فقال محمد : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ( ثلاث مرات ) ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد . فقال : والله لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء ، فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات ولقد بلغن قاموس البحر ، فهلم يدك أبايعك على الإسلام . فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : " وعلى قومك " . فقال : وعلى قومي . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، فمروا بقوم ضماد ، فقال صاحب الجيش للسرية : هل أصبتم من هؤلاء شيئا ؟ فقال رجل منهم : أصبت منهم مطهرة . فقال : ردوها عليهم فإنهم قوم ضماد . أخرجه مسلم
أرشدنى الله إلى هذا الكتاب، وهو ليس بكتا! ولكنه مجموعة خطب للإمام العلامة نور الدين على جمعه وعنوانه "التربية والسلوك" حيث يختص فى بناء النفس البشرية فى طريقها إلى الله.
وهذا الحديث الذى ذكرناه منذ قليل قد ذكره شيخنا الجليل فى خطبة له بعنوان "وإياك نستعين" وتحدث فيها شيخنا عن الاستعانة بالله وحده.
ورغم أنى كنت قد قررت أن أكتب وأستعرض ما فى هذا الكتاب من فوائد جمه، إلا أننى وجدت أن هذا فيه ظلم لشيخى وللكتاب و"الظلم ظلمات يوم القيامة" وهذا العنوان " الظلم ظلمات" كان عنوان خطبة للشيخ رائعة. ولأنه دعانا أن نعمل بالحديث الشريف ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ولأن (الدين النصيحة) فسأحدثكم عن خطبة رائعة ماتعة وهى (خطوات الطريق إلى الله) ويتحدث فيها شيخنا عن قضية هى من أخطر القضايا، فالكل يعرف المعلوم من الدين بالضرورة، لكن كيف يفعل المعروغ ويأمر به؟ وينتهى عن المنكر وينهى عنه؟ فيستعرض الداء " يسأل كثير من المسلمين، أن الشهوات تغلب عليهم، ثم يبصرون فيستغفرون ويرجعون ويتركون، ثم فورًا ينسون ويعودون إلى الشهوات كما كان الحال، فما المخرج من ذلك؟"
ويستعرض الداء بأكثر من صورة "إنما قد كثرت الذنوب وأحاطت بنا المعاصى، ومالت النفس إلى الشهوات؛ ردعها المسلم فلم ترتدع، وكرر عليها فلن تفعل، وكلما ذهب بها فرارًا إلى الله وإلى طريق الله خالفته وعصته، ورجعت به إلى طريق الشهوات، فكيف المخرج من ذلك؟"
وشيخنا ليس كغيره ممن يصرخون على المنابر مستعرضين الداء ولا يخبرون الناس بالدواء، فهو هنا أشبه بجراح ماهر شخّص الداء ووصف الدواء. وهو أيضًا يتمتع بأسلوب سلس سهل، فيأخذك فى رحلة فى بحار الإيمان كقبطان محنك تعود شق البحار! فيستعرض الدواء لهذا المرض الخطير فى عدة خطوات:
الأولى هى أن تنزل الرسول صلى الله عليه وسلم فى قلبك منزلة "الوالد للولد" حيث خلاه الله سبحانه وتعالى من أبنائه الرجال فيقول صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وبعدما أنزلت رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة المصاحب لك فى كل وقت وحين، فإذا بك تستحى أن تفعل الذنب وتستحى ألا تكون هناك همة، وتستحى من أن لا تذكر الله أو أن تنقطع عن ذكره سبحانه وتعالى، لأن أباك يراقبك ولأنه معك ولأنه مصاحبك، وبالتالى ستذكر الله كثيرًا بكرة وأصيلاً حتى يصبح الذكر عندك عادة قلبية وهذه هى خلاصة الخطوة الثانية
والثالثة هى أن ترى دائرة النور ودائرة الظلام، النور فيه طاقة وفيه بيان وفيه حلاوة وله طلاوة يكشف عن الحقائق، والظلام فى برودة ورائحته كريهه وأحواله مردية.
والله سبحانه وتعالى يثنى عليك لاتباعك نبيك ولإدراكك النور والظلمة ولذكرك له كثيرًا فينقلك من الظلام إلى النور، ومن الضيق إلى السعة ومن الاضطراب إلى الأمن.
ويؤكد على هذا المعنى" أيها المسلمون.. إذا أردت أن تُنقل من دوامة الشهوات إلى طريق الله فعليك باتخاذ النبى صلى الله عليه وسلم والد لك، ومصاحباً فى طريقك إلى الله، فإنه هو المبشر والنذير، وهو المبشر والشاهد، وهو المبشر والأخذ بيدك إليه سبحانه وتعالى، واذكر الله ذكرًا كثيرًا، وانتقل من دائرة الظلمة إلى دائرة النور بصلاة الله وملائكته عليك، ثم بعد ذلك استحضر نفاسة أجر الأخرة فى مقابلة تفاهة الدنيا بما فيها ومن فيها، فإذا فهمت ذلك واستوعبته وغيرت مفهومك عن الحياة الدنيا وعن الأخرة، واستصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم معك كل يوم، فسيعينك ذلك على نفسك فى طريق ربك"
وهو فى خطبة أخرى يقول" الطريق إلى الله يبدأ بالذكر وتتوسطه التربية وينتهى بالمراقبة والخلوة"
وبمكننا القول أن هذا الكتاب هو رحلة إيمانية فى الطريق إلى الله. رحلة من قرأ وفهم وجرب وذاق و"من ذاق عرف ومن عرف اغترف" وهذا الكتاب هو غرفٌ من بحر الإيمان.
والكتاب ـ كأى كتاب ـ له مميزات وله عيوب وإن كانت إحداهما تطغى على الآخرى، فالكتاب طبعته جيدة صفحاته تتمتع بالهدوء والكلمات واضحة والهوامش أسفل كل صفحة ليست بالصغيرة، لكن كان هناك بعض الأخطاء المطبعية وخصوصًا فى أية من القرآن الكريم ـ وهى واحدة فقط ـ ولا أفهم سر هذا العدد الكبير من الصفحات البيضاء خلف كل خطبة وخلف صفحة أفكار الخطبة التى تسبق الخطبة وإن كانت صفحة الأفكار جيدة إلا أن الصفحة التى تليها الخالية غير مبررة، مما جعل الكتاب يزيد فى عدد صفحاته عن الأربعمائة صفحة. وهذه الأخطاء والملاحظات لا تضر الكتاب كثيرًا ولكن نذكرها للتنبيه لشركة الوابل الصيب التى أنتجت هذا الكتاب وهى مشكورة على ذلك.
وهناك ملاحظة أخيرة، وهى تخريج أحد الأحاديث والاستشهاد بالشيخ الألبانى! والملاحظ فى الكتاب هو الاعتماد الدائم على البخارى ومسلم واحمد وغيرهم من العلماء الأوائل فى علم الحديث.

الاثنين، نوفمبر ١٥، ٢٠١٠

شيبتنا المنابر


فى بحر الحياة الهادئة تسير الهوينى، لكن إذا ما بلغ العصف مداه واشتد الريح وعلا الموج فوق طاقتك، فعليك بالمرونة وإلا مصيرك كالشجرة التى لا تميل مع الريح!
فى غربتى الجبرية أتعرض كل يوم لمواقف تحتاج إلى المرونة. أحد هذه المواقف هو إجبارى على الخطابة رغم أنى لست مؤهل لهذا.. لا بالشهادة.. ولا بالعلم!.
بعد صلاة العصر وجدت جماعة من الشباب يتجاذبون أطراف الحديث، أنا أعرفهم وهم كذلك، قال لى أحدهم حضر، قلت له أنا لست أهلا لهذه المهمة، حاولت التهرب فلم أفلح، حتى حيلة أنى لا أستطيع الخطابة شفاهة ولكنى سأضطر أن أخطب من ورقه لم تفلح، وقالوا لى اخطب كيفما اتفق لك، فأنت مؤهل عالى ومتدين وتقرأ كثيرًا حتى كدت أن ألعن القراءة التى تجعل من قارء روايات خطيب فى مسجد!.
أمدونى ببعض الكتب لوعاظ (سلفيين) فحضّرت الخطبة على مضض، وجاء اليوم الموعود، دخلت المسجد، صليت ركعتين بعد الأذان، وأتبعتهما بركعتين، وجدت الجميع ينظرون إلى منظرين صعودى! وصعدت المنبر، وكان كما قال شيخنا الإمام العلامة الدكتور على جمعه(شيبتنا المنابر) ما هذا! لو أنى فى مكان آخر لتحدثت الساعات دون توقف!!! لكن فى هذا المكان وعلى هذه الدرجات التى وقفت عليها، فقد ألجمت رهبة الموقف لسانى! مع أنى اقرأ من كتاب، ليس على أن أستحضر الأفكار وأرتب الكلمات لآكون جمل! فكل المطلوب منى أن اقرأ لهم الخطبة! لكنى تلعثمت!
قررت عند نزولى أجازة أن أشترى خطب شيخنا الجليل د. على جمعه لأخطبها!
اصطدمت بمشكلة! الجمهور سلفى، وأنا قلبى معلق فى قنديل موضوع برواق الأتراك بالجامع الأزهر. كل من شاهد كتاب الخطب لفضيلة الإمام العلامة قال لى ألم تجد غير (على جمعه) لتخطب من كتبه ـ ينطقون اسمه مجرد من أى لقب حتى ولو كان كلمة شيخ ـ! بعد أول خطبة وكانت عن أعظم مخلوق ـ صلى الله عليه وسلم ـ سألت أحدهم عن الخطبة فقال لى جيدة، فحمدت الله. وشرعت فى قراءة الكتاب/ الخطب كلها وقد كانت أكثر من رائعه، ولهذا حديث أخر.

الأربعاء، مارس ٢٤، ٢٠١٠

مع الأسرار.. قبل الأنوار!

عودة الفرسان (2) مع الأسرار.. قبل الأنوار!



كنت قابع بزاوية من زوايا سور القسطنطينية القديم، قريبًا من باب المدرسة، أنتظر قدوم المعلم، حتى إذا بلغ العصف مداه انتفض بديع الزمان سعيد النورسى، وأطل من فوق قباب المدينة، ثم مد جناحيه العظيمين حول أسوارها حتى أحاط بجميع الأبواب! فظل كذلك زمنًا يكابد وحده، ويجاهد قصف الريح وحده! وكلما أطل من تحت جناحيه وراى سكون البلابل خلف القباب، دمعت عيناه فى قرّ الريح! وصاح فى تيارها الشدشد: "ياسعيد..! كن صعيدًا حتى لا تعكر صفو رسائل النور..!"
حتى إذا هدات العاصفة، قرأ سورة الفتح، ثم فتح الأبواب وانصرف..!
ناديته بأعلى صوتى:
- ياسيدى المعلم! أما لأخر الفرسان من عودة.
التفت إلى بعبسة ترسم ملامح الإنكار على صفحة وجهه المهيب! ورمانى بنور لاهب من وجع عينيه! ثم قال:
- ويحك أيها الفتى المغرور! أما علمت أن لكل زمان صاحبه؟
- قلت: ومن يغلق أبواب الريح إذا هاج العصف من جديد؟
- قال لى: هذا مقام الفتح ياولدى فليس لزمانه من إغلاق!
- قلت: عجبًا ياسيدى! وما فتحٌ فى زمن ليس تطيق عواصفه الأبواب، ولا أسوار مدينتنا!؟
- قال: ما أجهلك يا ولدى بزمانك! ارفع رأسك قليلا نحو الأفق الأعلى؛ تَرَ شمس البشرى ترتفع الهوينى من خلف الأحزان، وتَرَ كلمات النور الأولى ترسم بين يديها قوس قزح، وتطرز على موج البحر نبؤتها.. فإذا كنتَ ممن يحسن لغة الماء فاقرأ: "تُفْتَحُ القسطنطينيةُ أوَّلاً ثم تفتح روميةُ"!؟
- قلت: بأبى وأمى أنت يا سيدى! وما روميةُ؟
- قال: رومية يا ولدى امرأة ساحرة تسكن بين جوانحنا! هى عاصفة الشيطان الكبرى.. تنغرز قوائمها الأربع فى بحر الظلمات! ولها فى كل العالم أدخنة وحرائق! فى كل يوم تُحَرِّقُ ألف عصفور وحمامة! جيش النور الآن تجرد لها بأسلحة من وهج الشمسن وأميره يرتل من خلف الغيب سورة النصر، خاتمةً لمحن المستضعفين!.. وقريبا جدا ستر عجبا! جيش النور اليوم فى كل العالم يقتبس من مشكاة الليل الأخضر زادًا للسير! فانظر ما حظك من مواجيده يا ولدى!
- قلت: وما سيماء أميره يا سيدى؟
_ قال: لا تتعب نفسك يا ولدى فى طلب الألقاب! فإنما هو طيفٌ، أو معنى، أو روح! بل هو قلبٌ من نور وهاج! هو جيش من ذَوْبِ الشمس، هو أشجان قلبٍ وترانيم روح، هو مكابدة حُبٍّ لم يزل جرحه ينزف من خابية مشقوقة! هو آهاتُ أشواقٍ ارتقت ما بين سجود وركوع، فتشكلت فى الفضاء غيمةً ربيعيةَ اللون، مكتنزةً بالخير وبالبركات! لم تزل تهطل بالغيث فى كل قارات الأرض! فَارْقُبْ إن شئت حدائقها أنَّى رحلت؛ تجد وردتها متفتحة الأجفان ندية!
- قلت: فما نَسَبُهُ ومكانه؟ ما مولده وزمانُه؟
- قال: ويحك يا صاح! أما صاحب هذا الزمان فله مولدان اثنان! أولهما هو فى المكان، وقد كان الذى كان. وأما الثانى فإنما هو فى الزمان! فَارْتَقِبْ إبَّانَ هيجان الروح، يوم تأتى الرياح بحدأ الأنين! فإنه لا ميلاد إلا بألم! واظفر بثانى المولدين تَرِبَتْ يداك! إنك يا ولدى إن تدرك إشراقته تكن من الفاتحين!
- قلت: فهل لى أن أكون من طلائعهم؟
- قال: بل دون إدراك منازلهم كلمةً سِرِّ مخفية فى حويصلة الطير!
- قلت بلهق: أى طير يا سيدى؟
وانقطعت التجليات!
.....
هذه اسطنبول مرة أخرى..! نادانى خاطرٌ حزين! قال لى: مقامك حيث أقامك! لا مكان لك اليوم يا صاح إلا بمنزلة الاستغفار! فصرت أسمع صوتًا من أعماق فؤادى، يتكسر موجُه هونًا على شط لسانى: رب اغفر لى..! رب اغفر لى..!
......
حدثنى راوى الشجان قال:
محاضن الطفولة هى مزارع الأسرار.. فى تربتها تُدفن بذور النور، وخريطة الفتح الآتى، ومواعيد الزمان الجديد! ومكن يدرى؟ فلعلك هناك تتعلم من "فتح الله" كيف تكون رجلا! ولعله يضرب لك موعدًا من لثغ طفولته لزحف الخيل الصافنة خلف غيوم اسطنبول، ومواعيد أخرى لدخول عواصم دول العالم، وعبور البوغاز إلى أندلس الأحزان.. وخوضِ بحار أخرى فى وجع فى وجع الليل؛ فرومية ما زالت جثتها تجثم فوق فراخ فلسطين! وليس بين دخول المارد قمقمه وبين شروق الشمس، إلا كلمة سر!.. ولعلك يا صاح تكون هناك!
قال لى: هى مَحَاضِنُ لا تتاح لكل الناس.. إنما من تهيئ القَدَرِ الإلهى، لمن شاء الله أن يجعل لهم من أمره قَدْرًا! فما جاء وَلِىٌّ أو مجددٌ إلا على قَدَرٍ، وما فاض نهر إلا بعد هُطُولِ مَطَر! فاحمل عصا سياحتك يا ولدى وارحل! فما كان للسائح فى فلك النفوس الكبار إلا أن يعود كبيرًا!
وقبل أن ينهى راوى الأشجان حديثه، همس لى وقال:
فتح الله لديه سر ليس يبوح به!..
فتح الله لديه سرّ تنتظره الدنيا، لكن لا يخبر أحدًا!..
فتح الله يحمل فى قلبه ما لاطاقة له به، ولذلك لم يزل يبكى حتى احتار الدمع لمأته!
فتح الله وارث سر، لو ورثه الجبل العالى، لانهد الصخر من أعلى قمته، ولخرت أركان قواعده رهبا!
فتح الله فارس ليس تلين عريكته، ولا تضعف شكيمته! ولصوته فى الكرِّ أشدُّ من فرقعة الرعد! يقاتل فى النهار حتى تذوب الشمس فى دماء البحر، فإذا خلا لأشجان الليل بكى..!

8ربيع الأخر 1431

الاثنين، مارس ٢٢، ٢٠١٠

إعتذار للمسجد الأقصى!


كلما حاول الشجار خسر.. وكلما سَب أحد سُب فى المقابل أضعاف مضاعفة.. وكلما حاول الكيد لأحدهم إنقلب السحر على الساحر!!
اقتحام الحرم الابراهيمى وتشييد كنيس الخراب، واقامة احتفال، والقول بأن يوم 16 مارس سيهدم المسجد الأقصى، كل هذا كان خبرًا عاديا!
نعم خبر عادى لم يهتز له كيانى، ولم تنفر له عروقى ـ وبالطبع لم يطق لى عرق ـ وسألنى صديق بعدما قرأنا مثل هذه الأخبار هل تأثرت؟ قلت لا، فقال لى لماذا؟! وكان السؤال حق غريب (السؤال هو الغريب وليس ما فعله الصهاينة) فجلست أتأمل السؤال والجواب!!
وأسفت لحالى وحال أمتى، فرأيت أنى فى وهن وكذلك أمتى، ورأيت أنى ضعيف وعاجز وكذلك أمتى!!
وقلت يا الله لم لم أتأثر، ولم هذا العجز والوهن؟!
وكثير من الأسباب قيل ألاف المرات، وبحث هذا الأمر ومحص وأكل وشرب عليه الدهر ثم بال!!
فالبحوث ألفت، والمقالات دبجت، والكتب نشرت، ولا شئ!!
ولست هنا فى معرض ذكر ضعف أمتى، ولكنى رأيت أن أبحث حالى أولاً، فأنا جزء من كل!
وبديهى إذا كنت سأتحدث عن نفسى، فأنا لن أذكر الإنقسام الفلسطينى، وعدم وحدة الصف، والاعتقالات الداخلية بين الحركات، ولا تهم الخيانة والعمالة، ولن أذكر هذا الجالس وذاك الوقف، ولن أذكر أنظمة الحكم الفاسدة فى العالم العربة، وكذلك لن أذكر شعوب هذه الأنظمة التى تصمت على الفساد بل وتشارك فيه وتدعمه، كل هذا لن أذكره وألاف من الأمور التى لن تقدم ولن تؤخر، فالأمر جد خطير، ولهذا فلن أتحدث عن هذه الأمور.
كان السبب والسر فى ضعفى ووهنى وعدم مناصرتى له، خصوصًا فى الفترة الماضية بعد محاولة هدم الأقصى، واقتحام وضم الحرم الابراهيمى ومسجد بلال بن رباح، كان سببانن سبب فكاهى وسبب جدى وحقيقى.
السبب الفكاهى هو انقطاع النت، فلم استطع أن أكتب مقالة أو تدوينة للتعبير عن الرفض لهذا الفعل القبيح والإجرامى!!!!!
أما السبب الجدى والحقيقى هو أنى جاهل، نعم جاهل، والاعتراف بالمرض أول الطريق للعلاج، فالجهل عيب، والأقبح من الجهل هو جهل الجهل، وقد قال حمار الحيم حكمة بليغة، فيقول: لو أنصف الدهر لكنت أركب فانا جاهل بسيط وصاحبى جاهل مركب!!! والجاهل البسيط هى الذى يعرف أنه جاهل ولا يدعى غير ذلك، والجاهل المركب هو الذى يدرى أو لا يدرى أنه جاهل ويفتى الناس بجهله!!
ولهذا فأنا لا أختلف كثيرًا عن قول حمار الحكيم! وهو أنى جاهل بسيط، امتد جهله فى الزمان فلم يتوقف عند عصر أو زمن!
وجهلى هذا جهل عام، فى كل شئ، فأنا لا أجيد لغتى ولا أى لغة أخرى، ولا أجيد تخصصى، ولا أجيد حرفة، حتى القراءة التى أفوق فيها الكثير من أقرانى هى غير جيدة بالقدر الذى يجب أن يكونن وحتى دينى أن جاهل فيه بمعنى الكلمة، وبالطبع لم يتوقف الجهل عند حد فالكتاب الذى أنزله الله عز وجل من لا أحفظه ولا أجيد حتى قراءته!
فلهذا ولكل هذا أعتذر للقضية الفلسطينة وللقدس الشريف وللمسجد الأقصى.
فأنا رجل جاهل، لا يقوى على رفع قلمه وغرسه فى مداد الحزن ليكتب العزاء فى نفسه!
وكيف لرجل جاهل مثلى أن يدافع عن غيره وهو غير قادر على الوقوف!
ولكنى عازم على نصرة الأقصى، ولكنى لن أشجب وأدين ـ لا مانع من بعض الشجب القليل من باب التذكرة ـ بل سأتعلم وأزيل جهلى، فهذا بداية الدواء بعد معرفة الداء.
وعندها سأستطيع نصرة نفسى وبعدها نصرة أى شئ، أهلى وبلدى والأقصى وأمتى.
فإلى لقاء
6 ربيع الآخر 1431 هـ

السبت، مارس ٠٦، ٢٠١٠

عودة الفرسان


فتح الله لديه سر ليس يبوح به!..
فتح الله لديه سرّ تنتظره الدنيا، لكن لا يخبر أحدًا!..
فتح الله يحمل فى قلبه ما لاطاقة له به، ولذلك لم يزل يبكى حتى احتار الدمع لمأته!
فتح الله وارث سر، لو ورثه الجبل العالى، لانهد الصخر من أعلى قمته، ولخرت أركان قواعده رهبا!
فتح الله فارس ليس تلين عريكته، ولا تضعف شكيمته! ولصوته فى الكرِّ أشدُّ من فرقعة الرعد! يقاتل فى النهار حتى تذوب الشمس فى دماء البحر، فإذا خلا لأشجان الليل بكى..!
مكين الوثبة كالأسد، حاد الرؤية كالصقر، رهيب الصمت كالبحر، إذا سكت خطب، وإذا نطق التهب! وإنه ليشف كالزجاج إذا هو كتب!
كل الناس يعرف فتح الله، وكل الناس يسمع فتح الله، ولكن لا أحد يعرف ماذا يريد فتح الله! فلم يزل سره فى صدره يقبع فى الأعماق مثل اللؤلؤ المكنون!.. ومن يدرى؟ فلعله فارس لم يشرق بعد زمانه! ولا حان وقته وإبانه! وأى بلاء أشد على المرء من أن يعيش قبل أوانه؟ ويعاشر غير أهل زمانه؟

... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...

حقيقةً لا أعرف هذا الشيخ، ولم أسمع به من قبل، إلا من عدة أشهر، وكأننى كنت على موعد معه، وحان الوقت، فانفتح الباب، وهدمت السدود، ومدت الجسور، وأدركت أن وقت الدرس قد حان، ولا بد لى من قلم وقرطاس، فها هو المعلم قد ظهر، ولم يبق لى غير التدوين خلفه!
فسألت راوى الأشجان عن سيرة الشيخ؟ فقال لى من أين عرفته ومتى؟ فقلت له لم يدم على معرفتى به بضعة أشهر!
أخبار من هنا وهناك متناثرة جمعتنى بالشيخ، حتى كان انعقاد مؤتمر مستقبل الاصلاح فى العالم الاسلامى، وسمعت أكثر عن الشيخ، ورغم أنى لم احضر المؤتمر إلى أن أخى ذهب وجاء بمجلة حراء وبعض الكتب للشيخ، ومن هنا كانت البداية الحقيقة للتعرف، حيث أنى بدأت الدخول على الموقع الخاص بالمجلة وبالموقع الشخصى.
ورغم أن سيرة الشيخ المكتوبة باللغة العربية والمنثور فى الفضاء الالكترونى غير كبير، فسيرة الشيخ تعرفت عليها فى معرض الكتاب حيث وجدت رواية
{"عودة الفرسان" سيرة محمد فتح الله كولن، رائد الفرسان القادمين من وراء الغيب} للشيخ الأديب فريد الأنصارى، وهى رواية شاعرية، مكتوبة بمداد الحب ومروية بماء الإخلاص!
فارتشفت الرواية وشعرت بالظماء!.. لا تتعجب، فسيرة الشيخ عطرة والرواية نضرة، ولك أن تعرف رغم أن الرواية رائعة، إلا أنها قليلة فى حق الشيخ فتح الله كولن.
ومع أنى قرأت بعض سير المفكرين إلا أن سيرة الشيخ حقًا عجيبة، ففيها مجاهدة للنفس وجهاد فى سبيل الله، وسنستعرض سيرة الشيخ من خلال الرواية البديعة، والتى ذكرت بعضًا منها فى مقدمة هذه المقالة وسنكملها فى مقالة قادمة أو مقالات، حسب ما سيرويه لنا راوى الأشجان..!

... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...

فتح الله لا يملك من هذه الدنيا سوى ملابسه القديمة، ومحفظة أحزان صغيرة تصحبه تصحبه أنى حل وارتحل لم يزل يحتفظ فيها بثلاثة مفاتيح عتيقة!
الأول: مفتاح "الباب العالى" فى اسطنبول، والثانى: مفتاح" باب الحِطَّةِ" فى المسجد الأقصى، والثالث: مفتاح جامع قرطبة فى أندلس الأشجان!
رجلٌّ وحده يسمع أنين الأسوار القديمة، ونشيج الريح الراحل ما بين طنجة وجكارتا! وبكاء النورس عند شواطئ غادرتها سفن الأحبة منذ زمن غابر، ولكن لم يشرق لعودتهم بعد شراع!.. فيبكى!
رجل وحده يسمع صهيل الخيل القادمة من خلف السحب، ونداء الغيب المحتجب، إذ يتدفق هاتفه على شاطئ صدره، فينادى من على منبره: "ألا يا خيل الله اركبى!.. ويا سيوف البرق التهبى!"..
ويرى ما ليس يُرَى .. فيبكى!



الثلاثاء، فبراير ٠٩، ٢٠١٠

فى صحبة "السيد"

كان الذى كان، وكأنه ما كان!

كأنه الحلم، وتحقق!

لا بل هو حقًا حلم وتحقق!!!

كنت أعد العدة للسفر للذهاب لمعرض الكتاب، ولكنى قلت أسافر الجمعة صباحًا وأصلى فى المقطم مع شيخنا يسرى رشدى السيد جبر فى مسجد الأشراف، وأقابل أيضًا شيخة أسامة السيد الأزهرى، ولكن الله لم ييسر السفر يوم الجمعة فكان السبت صباحًا.
ذهبت للمعرض مع صلاة الظهر، فكان على أن أصلى قبل كل شئ، حتى أستريح وأنا أمشى ويذهب عنى إحساس الذنب الذى يظل يلازمنى كلما أجلت صلاة، فصليت فى المسجد لأنى لم أجد أحدًا يصلى فى الحدائق الممدوة بطول وعرض المعرض، وبعد الصلاة دخلت الجناح المقابل للمسجد وهو سراى (جناح) ألمانيا، رغم أن هذا الجناح ليس ضمن اهتماماتى لعدم وجود المكتبات التى أفضلها بداخله، ولكنه القدر الذى جعلنى أدخل، ودخلت أول صف فى اليمين ، ولا أعرف لماذا، ولكنه القدر.
وكانت المفاجأة، فبعد أن كنت أنظر وأنا لا أرى المعروض أمامى من الكتب ـ لعلى كنت مسير لهذا الذى سيحدث فلم أرى شئ حتى لا ألتفت له فيشغلنى ـ وكان النداء الذى لم أكن أتوقعه، مع أنى تخيلته مرات، حقيقـةً مع أنى تخيلت الذى سيحدث ولكنى لم
أكن أتوقع حدوثه على أرض الواقع ولا بهذه السرعة الذى حدث بها، وأول شئ بعد الصلاة.
لم يكن النداء من كتاب من ورق!!!، ولكن من كتاب من لحم ودم!!!
كان النداء الذى أسعدنى هو نداء شيخى أسامة لى..
"إزيك ياشيخ عبد الله"

فالتفت لأجده واقفًا أمامى يمسك بأحد الكتب،ويلبس ملابس عادية ـ ملابس الفرنجة بنطلون وقميص وجاكت كبير يصل إلى ركبته ـ فدار فى رأسى سؤال، كيف لم أره؟..
ولكنى سلمت عليه وملت لألثم يده لكنه سحبها بلطف، سألنى عن عدم ظهورى، فأجبت أنى أعد العدة للتقدم للتجنيد، دعا لى بالتوفيق، فسالته عن اسم كتاب ينصحنى به فأشتريه، لكنه غاب عنى، بين الكتب والأوراق، حتى التفت فجأة فوجدنى، وكأنه لم يكن يتوقع وجودى أو كأنى ظهرت فجأة، فتذكر.. وابتسم، فسألته عن اسم كتاب ينصحنى به.. فغاب مرة أخرى، ورغم سعادتى باللقاء لم أكن أعرف ماذا أفعل، هل أمشى وأتركه يغيب بين الكتب؟ أم أنتظر حتى يفاجئ بى مرة أخرى؟، حقيقـةً لم أكن أعرف، فتجولت داخل دار النشر اللتى كنت أقف على بابها فلم أجد ما يشدنى، فاحترت مرة أخرى، فقررت الرحيل وقلت لو أن لى نصيب من اللقاء أكثر من هذا فسنلتقى، فمشيت، وظللت أدور بين دور النشر، ودخلت الصف الذى يليه، وكان النصيب الذى كان قد قدر، فوجدت شيخى مرة أخرى فى دار تفصل بين الصفين ومفتوحة من الجانبين، فرأنى فسلمت عليه ولثمت يده، فسألته عن اسم كتاب ينصحنى به، وذكرته أنه قد طلب من نحن المصلين فى مسجد السلطان حسن وهو واقف فوق المنبر أن نقرأ كتاب "بداية الهداية" للإمام أبو حامد الغزالى وقال أن هذا الكتاب صغير الحجم عظيم النفع، وقد كان، فسعدت به بعدما اشترينه وقرأته، وفى السنة التى تلتها نصحنا أيضًا من على نفس المنبر أن نقرأ كتاب "التفكير فريضة إسلامية" للأستاذ عباس محمود العقاد، فاشتريته وتعرفت من خلاله على الأستاذ العقاد وسعدت به أيضًا، ولكن
ى لم أكد أكمل كلامى حتى كان الذى عهدته منه، غاب عنى الشيخ!!!، فروجته أن يخبرنى حتى لا أعطله.. فصمت!، فحدثنى نفسى بأنى لا أريد أن أبتعد عن الشيخ فقلت أسأله الصحبة فإن وافق كان بها وإن كان العكس فلا ضير، وكنت قد لاحظت أن معه شيخ وشخص أخر لا أعرفهما، فتلفت الشيخ فجأة وسأل عن الشيخ أشرف فعرفت أنه الذى كان واقف بجانبه ويلبس الجلباب فنظرت فى الصف الثانى ورجعت لأخبره بأنه ليس موجود به فقال ها هو فى الأمام ومشى فمشيت خلفه، وكأن الذى دار فى رأسى قد وكأن البحث والمشى خلفه هو استأذان بالصحبة، فوقفنا أما رأس الصف الثانى أو الثالث لا أذكر ولكنه ـ شيخى ـ سأل الشيخ أشرف عن كتاب لطالب علم فسالنى الشيخ أشرف بعدما وجه لى وجهه هل كتاب فى الفقه؟ فقلت فى أى شئ فقال "أى شئ" هذه واسعة.. وسكت ولم يجب، فسألنى شيخى عن كتاب مجالس الصالحين وهل هو عندى ـ حقًا لا أذكر اسم الكتاب بالتحديد ولكنى أعتقد أن هذا اسمه ـ فقلت لا فقال عندى نسختان ولك واحدة فشكرته.
وكنا قد وصلنا إلى دار النيل للنشر وهى دار تنشر كل أعمال الشيخ محمد فتح الله كولن من تركيا فنظرنا إلى بعض الكتب ومشينا، ودخل شيخى دار نشر وظل ينظر للكتب ويغيب بين عناوينها وترك شنطة بها كتاب له على أحد الأرفف فتوجهت ناحية الشنطة وأخذتها فن
ظر لى الشيخ أسامة وقال لى جزاك الله خيرًا فابتعدت عنه قليلاً حتى أترك له المجال للنظر، فحمدت الله على أنه وافق على الصحبة بدون أن أطلبها، وكأنه قرأ ما يدور فى نفسى فحمدت الله مرة أخرى.
وتذكرت فى هذه اللحظة مقالات الشيخ التى يكتبها وتذكرت مقالة مميزة كانت لها ذكرى، فقد كتب شيخى مقالة عنوانها "هيا بنا نسرق" التى وضعتها على مجموعة الشيخ فى موقع الفيس بوك ووجهن رسالة لكل الأعضاء عنوانها "شيخ يدعوا للسرقة" ووضعت رابط للمقالة، وكان رد أحد الأعضاء عنيفًا بأن الشيخ أعلم منى ومن أهلى، ورغم أنى كنت متفق مع ما قاله هذا العضو ولكنى رأيت أنه لم يفهم مقالة الشيخ أو أنه لم يقرأها، فرددت عليه بأن الشيخ هو الذى كتب المقالة وهو واضع عنوانها وإن لم يكن هو واضع عنوانها فهو موافق على
هذا العنوان بدليل أنه لم يعترض وهو أيضَا فى داخل المقالة يدعوا للسرقة، فقرأ المقالة واعتذر وأصبحنا أصدقاء، ولكن الذى شجعنى على صحبة الشيخ هو دعوته للسرقة التى جائت فى المقال فتحدث فى البداية عن الرفيق فقال:
"هل يرتفع الطائر بلا جناح؟!!
هل تبصر بلا عين؟!!
هل تسير بلا قدم؟!!
هل تعيش بلا روح؟!!
هل ترحل بلا رفيق؟!!!
***************

الرفيق....
الذي إذا نسيت الله ذَكّرك.
وإذا ذَكَرته أعانك.

وإذا توجهت إلى الله دَفَعك.
الرفيق..
الذي سطعت مكارمه.
وظهرت شمائله.
وزاد بالله تعلقه.
ورأيت في صفحته النقية همم الأكابر.
وأخلاق الصالحين.

الرفيق..
الذي اتضحت عنده الوجهة.
وامتلأ بالعزيمة والذكاء والفكر الحر..
والعقل المبدع..
وفهم سر الحياة..
وعرف مراد الحق سبحانه..
وآثر الله على ما سواه.
وتعلق بالملأ الأعلى..
الرفيق..

الذي صار عبدا ربانيا..
يقوم بواجب وقته..
ويسعى بين الناس بالهداية..
ويتشرف بوراثة النبيين..
ويتحرك في الأرض بالعمران، مع الإنابة إلى الدار الآخرة."

ولم يكد الشيخ يكمل المقالة حتى شجعنا على السرقة فقال:
"
طبع الإنسان شديد الحساسية والتأثر..
يلتقط بسرعة...

وعلى نحو شديد الخفاء...
وتنطبع فيه المعاني الدائرة في طباع الآخرين..
فإذا خالط الإنسان رفاقه تلاقحت عقولهم..
وتبادلوا المعارف والخبرات...
والطبع من وراء ذلك يختلس من طباعهم..
وتسري إليه -على نحو خفي- سجاياهم وعاداتهم...
فإن كانوا أهل رفعة ونور وبصيرة وجد الإنسان في اجتماعه بهم انشراحا.
وإقبالا على الله.

وزيادة في همته..
وأيقظوا أشرف ما في النفس من شمائل.
وإن كانوا غير ذلك فإن الطبع ينتكس بمخالطتهم..
ويجد الإنسان في نفسه فجأة أخلاقا غريبة حادة، لا يعرف من أين أتته.
ويوقظون أدنى ما في النفس من طمع وحرص ودنيوية، وبعد عن الله، وانقطاع عن الملأ الأعلى..
حتى عبر ابن الجوزي -رحمه الله- عن هذا المعنى تعبيرا لطيفا جدا، لا يمكنك أن تنساه، قال: "وينبغي أن يُعْلَمَ أن الطبعَ لِصٌّ، فإذا ترك مع أهل هذا الزمان سرق من طبائعهم، فصار مثلهم، وإذا نظر في سير القدماء زاحمهم، وتأدب بأخلاقهم".
نعم، الطبع لص، يسرق بلطف.
ونحن نريد أن نتيح له السرقة من شمائل الصالحين، وأخلاق المتقين.
فإنها أشرف سرقة عرفها الإنسان في تاريخه."

ويدلنا الشيخ على هذا الرفيق:
"
ولكن..........
أين أجدهم؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وكيف أتوصل إليهم؟؟؟؟
وهل لمثل هؤلاء وجود؟؟؟
*******************


هناك أحد احتمالين:
أن يوفقك الله إلى صديق من هذه الفئة بدون تعب..
أو أن تتعب في البحث فلا تجد..
وحينئذ.........
إليك الحل....
هم يملأون الدنيا من حولك..
ولكنك تعزل نفسك عنهم..
خذ كتابا من الكتب التي شرحت أحوال الأكابر من هذه الأمة..
واستخرج لنفسك منه رفيقا..
وشيخا..
تعيش معه..
وتنقب عن تفاصيل حياته..
وترى أحواله الشريفة الزاكية..
وتخالط أنفاسه..
وتدعو له..

وتكون معه..
فقد فنيت أجسادهم..

وبقيت شمائلهم وأحوالهم..
وهم أحياء عند ربهم يرزقون..
فإذا اشتد تعلقك بهم كنت معهم..
ولا يضرك حينئذ بعد الزمان ولا المكان..
فقد قال لك الله كن معهم فكنت معهم...
ولهذا السر امتلأ القرآن بسير الأنبياء والمرسلين والصالحين.
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ} سورة يوسف، آية 111.
فكن يا صديقي من أولي الألباب، ينفتح لك الباب."
فتذكرت كل هذا الكلام وقلت أنا معى الرفيقان الصديق الذى من لحم ودم وهو شيخى والصديق الكامن بين الكلمات وفى الأحرف الموجود داخل الكتب، فحمدت الله.

وكانت الصحبة، فظللنا نمشى، الشيخان فى الأمام وأنا وواحد أخر خلفهم، وكلما اشترى شيخى كتاب أخذته، فقلت لنفسى فلتكن الخادم وليكن شيخى هو السيد، ألم يطلب سيدنا موسى من سيدنا الخضر أن يتبعه {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}، وأنا لست مثل سيدنا موسى، أأكون أفضل منه، وأنا بكل تأكيد سأستفيد، على الأقل سأستفيد كيف ينظر شيخى للكتب وعلى أى أساس يشترها وأشياء أخرى لا أعرفها ولكنى سادركها فى وقتها {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا }، {فَانطَلَقَا}.

وانطلقنا نحن بين جنبات الجناح، ولاحظت أن شيخى يذكر للشحص الذى معنا ولا أعرفه أننا قربنا على الانتهاء، حتى وقعت عينى فى عين هذا الشخص فابتسمت له فرد على بابتسامة، ولكنى أعتقد أنى رأيته من قبل فشكله ليس بغريب علىّ، فذهبت له وسلمت عليه وسألته عما إذا كنا نعرف بعضنا من قبل فشكله ليس بغريب علىّ، فجاوبنى بسؤال وقال لى منذ متى تعرف الشيخ أسامة؟ فقلت له منذ حوالى تثلاث سنوات أو أربع، فقال لهذا أن تعرفنى، قلت له أرأيتك مع الشيخ من قبل، فقال أنا أخوه وفينا كثير من الملامح ـ أو كما يقول المصريين بينهما شبه ـ قلت نعم ولكن لماذا لم ألاحظ هذا، أيكون لعدم وجود ذقن، قلت ربما وظللت أنظر له ولشيخى!!!، وعرفته بنفسى وعرفنى بنفسه فقال عصام السيد ـ أتمنى أن تكون الأسماء دقيقة فبعد الزمن قليلاً وكثرة المشاغل قد تنسينى الكثير فأرجو المعذرة ـ وتحدثنا قليلاً ومشينا خلف مشايخنا فقد حدثنى الأستاذ عصام عن أنه يرى الشيخ أسامة شيخه رغم أن الشيخ أصغر منه سنًا، وذهبنا إلى دار نشر تعرض أعمال الأديب العالمى باولو كويلهون ونظر شيخى لرواية الخيميائى وقال للشيخ أشرف هذه الرواية من أكثر الكتب مبيعًا وهى قد احدثت ضجة، فقلت هى جيدة، ولا أعرف لماذا تحدثت هل حاولت أن أظهر لشيخى أن مثقف وقارء ! لا أعرف! ولكنى شيخى كان رحيمًا فسألنى إن كنت قد قرأت رواية عزازيل فقلت له نعم، فسألنى عن ماذا تتحدث الروايتان، فأجبت بأن الروايتان يجمعهما فكرة البحث فبط الخيميائى يبحث عن الكنز الذى قيل له عنه ـ لا أذكر اسماء الأشخاص فى الرواية للبعد الزمنى للقراءة ـ والبطل فى عزازيل الراهب هيبا يبحث عن الحقيقة، حقيقة الأشياء، فهو غير متيقن من حقيقة الأشياء التى يتداولها الناس فهو يشك فى كثير مما يقال عن السيد المسيح وألوهيته، وأنه ابن الله، وتمثله فى الجسد، فهو يبحث عن حقيقتها كما يبحث عن التعلم، تعلم الطب ـ ربما تكون إجابتى هنا أكثر وضوحاً مما قلته لشيخى ـ، فانطلقنا حتى خرجنا من الجناح وقد كنت حملت الكثير من الكتب، فقال شيخى نذهب ونضع الكتب فى السيارة وكان هذا بعدما استشار شيخى الشيخ أشرف عن الوجهه وكبف نمشى وأين نذهب، وذهبنا ووضعنا الكتب وأهدانى شيخى كتابه "صائد اللؤلؤ" وهو عبارة عن جزء من مقالاته التى ينشرها على موقع بص وطل، فشكرته، وصلينا الظهر، وجعل شيخى الشيخ أشرف هو الإمام، وكنت اقتربت من الشيخ أشرف بعدما تقدم خطوات للأمام للذهاب لموضع الصلاة القريب من السيارة، وسألته بأدب عن اسمه وأنى أعرف أن اسمه الشيخ أشرف وفقط ولا أعرف عنه شئ فقال لى أنه الشيخ أشرف مكاوى شيخ مسجد فى منطقة 6 اكتوبر، وقد قالى لى أخى بعد ذلك أنه كان شيخ مسجد السيدة نفيسة، وكنت انا قد سمعت به من قبل، فرحبت به، ولا حظت قبل الصلاة أيضًا ونحن فى طريقنا للخروج من جناح ألمانيا أن هناك شاب يمشى معنا لا أعرفه، وبعد الصلاة التى صليتها أنا للمرة الثانية حيث كنت قد سبقتهم حينما دخلت المعرض.

ولا أعرف هل نفسى التى حدثتنى أم الشيطان بسؤال كيف يؤخر هؤلاء المشايخ الصلاة، أليس الواجب أن يصلوا الصلاة فى أوقاتها، ألم يروى أن أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها، فلماذا أخر الشيخان الصلاة، ووجدت سؤال يدور فى رأسى أواهذا الذى كنت تبغيه من الصحبة؟ فاستعذت الله، وقلت حسب علمى هذا خطأ وفد يكون فى الأمر إباحة عند الإنشغال، ولكنى أكدت على أن هذا الأمر خطأ وما كان يجب أن يخرج منهما، ولذت فى صمتى.

فانطلقنا وافترق عنا شقيق شيخى ودخل سراى 5 التى بها الأهرام لبعض حاجته وصمم شيخى على أن نشرب شئ فشربت أنا والشيخ أشرف شاى وشيخى شرب عصير والأستاذ مصطفى ثابت الذى كان يصحبنا منذ البداية شرب عصير، وكنت قد تعرفت على هذا الشاب النابه، جميل الخلقة والخلق، فهو درعمى ـ من كلية دار علوم ويقال للذى ينتسب لهذه الكلية درعمى ـ وقد دار بيننا حديث عن شيخى.

وبعد الاستراحة وهبوب بعض النسمات وهطول بعض القطرات من ماء السماء، وكأنها نزلت من السماء لتروى الكتب بمائها فيخرج كل كتاب سنبلة وفى كل سنبلة مائة فائدة والله يضاعف ما يشاء، أنشد لنا أستاذ مصطفى بعض أبيات من الشعر نسبها لصديقه، وقد علق الشيخ أشرف على صاحب الأبيات بأنه سينتظر كثيرًا حتى يصبح شاعرًا، وقال كيف يقول فى شعره "وينثر الشعر فى جيبى"، أينثر الشعر فى الجيب! هذا عجيب! وهذا ليس تصويرًا، ووقفنا لننطلق واستشار شيخى الشيخ أشرف عن الوجهة والطريق، فاقترح سراى كندا، وعند الباب طلب شيخى من الأستاذ مصطفى أن يجلب له كتب طه عبد الرحمن، وهنا لم أعرف ماذا أفعل أأذهب مع الصديق الجديد لشراء الكتب أم أظل مع شيخى، فنظرت لشيخى حتى يخبرنى بما يريد، وكأنه قرأ ما فى رأسى من أسئلة، فرد على أسئلتى بسؤال! "تحب تروح مع الأستاذ مصطفى" يخيرنى بين البقاء معه أو الذهاب مع مصطفى، وكأنه يطلب ولكن فى خجل، فقلت له سأذهب معه لنشترى الكتب، فأنا سأنتظر الشيخ حتى يجلب كتبه وأنا سأنظر هنا وهناك على المعروض، فقلت أن فى الذعاب فائدة أكبر، وهو مشاركة هذا الشاب ومعاونته، وقد كان، فافترقنا شيخى والشيخ أشرف، ومصطفى وأنا، ومشينا نتحدث عن شيخى فبدأت بأن الشيخ أمره عجيب فى الإجابة على الأسئلة فهو لا يجيب على قدر السؤال! بل يزيد فى الإجابة حتى ترى الأمر بصورة مختلفة فمرة بعين الصقر ومرة بعين فاحصة، وشتان بين العينين، وهو يزيد على هذا بأن فى الإجابة يرد اسم أكثر من كتاب، حتى أنى قررت حينما كان يخطب فى مسجد "السلطان حسن" أن أكتب كل مايقوله من كتب فقط، ولكن حالة بين هذه الرغبة التى كنت أعددت لها أجندة لكتابة أسماء الكتب فيها أن ترك الشيخ المسجد وتركت أنا القاهرة، فقال الأستاذ مصطفى أن هذا الأمر راجع إلى الشيخ "عبد الله الصديق الغمارى" فقد ذكر أن أهل مصر يحبون الإجابة المختصرة على السؤال أى أن هذا الأمر حلال أو حرام ولا شئ آخر، بينما أهل المغرب يفضلون الإجابة التى تنتج بحثًا آخر، فيزدا الإنسان علمًا، وقال مصطفى أن الشيخ أسامة قد ذكر هذا الكلام فى رسالة الماجستر، فسعدت بهذه الإجابة.

وفى رحلة البحث عن كتب الفيلسوف "طه عبد الرحمن" التى لم نجدها فى مكتبة مدبولى فرجعنا إلى سراى ألمانيا، وهناك افترقنا أنا ومصطفى ولم أعثر عليه فرجعت إلى شيخى فاخبرته بما كان فابتسم، وجاء مصطفى بالكتب، وذهبنا لنضعها فى السيارة، فقال شيخى نصلى العصر، فانتبهت، وسألت نفسى كيف لم أسمع الأذان ولم أنتبه له، فأدركت لماذا أجل الشيخان الصلاة، فالغياب بين الكتب والبحث والنظر إليها لا يسمعك شئ آخر وخصوصًا وأن القاعات أسمنتية تحجب الصوت مع وجود ضجيج الزوار، فعذرتهم وندمت على أنى نظرت إلى مشايخنا هذا النظرة التى كنت ذكرتها بعد صلاة الظهر من تأخير الصلاة.. الخ.

وهنا يجب أن أذكر شئ قبل الفراق ـ فراقكم لقرب نهاية الموضوع وفراق الشيخ ـ وهو أن شيخى الشيخ أسامة أمّر الشيخ أشرف مكاوى وجعله أميرنا وهو هنا يقيم حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام الذى رواه أبو هريرة "إذا خرج ثلاثة فى سفر فليؤمروا عليهم أحدهم " وعرفت لماذا يجعله شيخى إمامنا فى الصلاة وعرفت لماذا يسأله قبل كل خطوة إلى أين ياشيخ أشرف؟ وربما كان الذى من شيخى لرؤية أخرى لا أعرفها ولكن هذا تفسيرى لها، فأدعوا الله أن أكون وفقت.

واجتمعنا مرة أخرى مع شقيق الشيخ الأستاذ عصام السيد، وكان قد عرض على الشيخ كتاب "سياحة نامة" للمؤرخ التركى "أوليا شلبى"من أحد الأصدقاء الذين قابلونا قبل لقاء الأستاذ عصام السيد، فأعجب به الشيخ وطلب منى أن أعطيه الكتب التى معى ونلحقه فى سرتى 7 بعد أن نذهب أنا ومصطفى مرة أخرى لكى نجلب هذا الكتاب من الهيئة العامة للكتاب الموجودة فى سراى 4، وقد كان، وعند خروجنا أنا والأستاذ مصطفى من السراى ( الجناح ) بعد شراء الكتاب، قلت له سأذهب أنا لسراى 3 لشراء كتاب الموتى المنشور فى سلسلة الذخائر من هيئة قصور الثقافة، وقلت له سألحقكم، وبعد أن اشتريت الكتاب ذهبت لسراى 7 وبحثت عن دار ابن كثير التى أخبرنى شيخى أن سيكون بها فلم أجدها فبحث داخل القاعة فلم أجدهم بحثت أكثر من مرة، وكان نفس الرد، لا يوجد أحد.

وكما التقينا فجاة افترقنا فجاة، فمشيت وقلت لنفسى هذا حظك من الصحبة، ولو قدر الله لك أكثر من هذا لكان، ولكنه لم يقدر غير هذا، فشكرت الله وحمدته على هذه الصحبة الطيبة.

وفى المساء قبل أن أغوص فى أحلامى، استرجعت الأمر الذى كان، فتذكرت أنى فى صلاة الظهر التى كانت قبل القاء دعوت الله فى سجودى، وقلت "إلهى دلنى على من يدلنى عليك وأوصلنى إلى من يوصلنى إليك" وهذا الدعاء لسيدى مصطفى البكرى فى ورد السحر.

وعرفت أن الله استجاب دعائى، فحمدت الله، فالحمد لله على على كال حال.

وهذا الذى كان، أوردته من غير تدقيق، فكثير من الجمل التى وردت على لسان مشايخنا غير دقيقة لأنها من الذاكرة، وأنا والحمد لله ذاكرتى ليست جيدة، فالحمد لله. فأرجو العذر على هذا التقصير، ولكن الذى جعلنى أكتب هذه الكلمات هى حبى فى شيخى وحبى لإظهار مثل هذه الذكريات الدفينة بين أضلع المريدين والعشاق، فأرجوا الله أن يخرج الجميع ما لديه من ذكريات عن مشايخنا، فالبعد قاسٍ، فلتكن مثل هذه الكلمات والذكريات غطاء نتدثر به فى برد البعد عمن نحب.

وقد كان الذى كان وكأنه ما كان!!!

المقالة بشكل أفضل على مدونتى الأخرى على وورد برس

الخميس، يناير ١٤، ٢٠١٠

القاهرة بين 2030 و 2050


قد يعتقد البعض أن ما سأكتبه هو ترف، أو أنه موضوع لا يمت إلى القضايا الكيرى بأى صلة، وقد يكون البعض محق ـ وقد لا يكون ـ وعلى كل، فالمثير فى الأمر حقًا أن مجموعة من الأساتذة فى الجامعات المصرية مع مجموعة من الباحثين والمتخصصين فى مجالات شتى اجتمعوا معًا لكى يبنوا مدينة القاهرة، قد يتسائل أحدكم وهل القاهرة لم تبنى أو تعمر بعد؟!.
الحقيقة أن هؤلاء الأساتذة أجمعوا على أنها الآن ليس مُعمَرة. فالموجود الآن هو مجموعة من العشوائيات والأحياء غير المخططة.
جائتنى دعوة كريمة من الدكتورة هبة روف عزت على إيميلى تدعونى لحضور مؤتمر بعنوان مستقبل القاهرة رؤى وبدائل فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. كانت الدعوة بطبيعة الحال غريبة (وسأذكر فى نهاية الموضوع لماذا غريبة ) وعلى كل ذهبت، وكانت المفاجئة، حيث الحديث عن مدينة القاهرة وعن تطويرها وتحديثها لم يكن ضمن إهتماماتى ولكنى فوجئت بهذه النظرة المغايرة وهذا الطرح الغريب عن مدينة أعيش فيها منذ ست سنوات تقريبًا ولم يكن يخطر ببالى أن هذه المدينة بها شئ غريب، بل كنت أعتقد أنها فى أفضل حالاتها، وأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.

وانا هنا لن أستعرض المؤتمر بكامله، ولكنى ساحاول أن أروى جزء مما قيل فيها.
هناك مشكلة فى النظر إلى القاهرة هل ننظر للقاهرة المدينة الفعلية ( المحافظة ) أم ننظر للقاهرة العاصمة (القاهرة الكبرى )، أم ننظر للقاهرة المدن الجديدة أم قاهرة وسط البلد أم القاهرة الفاطمية أم بكل أسف قاهرة العشوائيات.

هذه قاهرات مقهورات تختلط مع بعضها فتنتج القاهرة. ولكن حقيقة مشكلة القاهرة تكمن فى كل هذا، فى العشوائيات والمدن الجديدة ـ التى تصفها الدكتورة هبة بالعشوائيات أيضًا كمدينة نصرـ وتكمن فى كونها العاصمة التى تعتمد المركزية لتخليص الأوراق فيأتى إليها المواطنون من جميع المحافظات، سمعت كثير من المشكلات حتى كدت أضيق ذرعًا بهذه المدينة القاهرة.
حتى غن الأستاذ جمال الشربينى استعرض بالصور سير مواطن (1800) متر واجه فيها (183) عقبة سير بين أشجار وكابينة تليفون وكشك سجائر وعامود نور (ومنشر غسيل بتاع حلاق ) موجود على الرصيف وسيارات على الرصيف ويقول الأستاذ الشربينى أن حقوق الإنسان كثيرة كالحق فى التعبير والحق فى الغذاء و...، الحق فى المشى ـ قلت لكم قد يعتقد بعضكم أن هذا طرف ـ

وكانت هناك تجربة جيدة للأستاذ خليل شعت فى منشية ناصر (منسأة ناصر) التى يسكنها 1200000(مليون ومائتى ألف) مواطن ويصفها شعت بأنها تتمتع بنسيج اجتماعى قوى، وقد قام بتقنين 7 شياخات حيث المنازل هناك ليست قانونية ـ فشعت تابع لوحدة تطوير العشوالئيات بمحافظة القاهرة ـ وعمل مشاركة شعبية حيث اجتمع بالشباب وتم عمل مجموعات لتطوير هذا الحى ويقول أن أحد الشباب قام بحذف بيته ـ لتوسيع الشارع ـ من الخريطة الجديدة لكى يتم تطوير منشأة ناصر ـ بالطبع كل هذا على الورق ـ وهذا يدلل على ما كتبه الأستاذ على الصاوى فى ورقة بحثية من أننا شعب يميل إلى الفوضى؛ ولكنه يقدر النضام!!، بل ويكون مستعد لدفع ثمن اكبر فى الخدمة مقابل انتظامها وجودتها.
نحن شعب يميل إلى الفوضى؛ ولكنه يقدر النضام!!، بل ويكون مستعد لدفع ثمن اكبر فى الخدمة مقابل انتظامها وجودتها

جدير بالذكر أنه تم استعراض حلول لهذه المدينة القاهرة
، وقد كانت هناك رؤيتان للعاصمة واحدة 2030 والأخرى 2050، ولكنهما للأسف كانا بهما تجنى على المدينة.
فرؤية القاهرة 2050 (عالمية - خضراء - مترابطة) التى قدمته د. غادة فاروق ـ تابعة لهيئة التخطيط العمرانى ـ كان شكله غريب فهى استعرضت فى الأول مجموعة من الصور ـ مع شرحها هى بصوتها ـ للمدينة المتوقعة وكانت أغلب الصور عبارة عن صور مدن أمريكية فهى عبارة عن ناطحات سحاب ومبانى زجاجية، بالطبع هذا عنصر جذب للبعض ولكن به فقدان للهوية والثقافة ووجدتنى كاتب فى أجندتى تعلي
قًا على هذه العرض "مدينة عالمية على أرض مصرية، أم مدينة أمريكية على أرض مصرية".
وهى فى الغالب بناء لمبانى جديدة رغم أن هناك حوالى أكثر من 2.000.000 ( 2 مليون ) وحدة سكنية خالة غير ساكنة. وهذه بطبيعة الحال ليس خالية لعدم وجود مرافق ولكنها خالية لأنها غاليةالثمن.
أما الأستاذة نسرين لحام ـ تابعة لمركز الدراسات المستقبلية التابع لمجلس الوزراء ـ قدمت لنا عرض عن القاهرة 2030، وهى لم تقع فى فخ زميلتها السابقة من عرض صور لمدينة أوربية فهى اكتفت بالشرح الصوتى ـ المميز حيث لها أصول أردنية وطريقا نطقها للكلمات جذابة ـ وقد كان عرضها عن عاصمة جديدة وليس تطوير القاهرة مع الإبقاء على القاهرة الثقافية والسياحية.
وقالت لحام بأن العاصمة تم تغيرها (17) مرة وكان اغلب هذه التغيرات بسبب تغيير الحكم (النظام) والحكام (الأشخاص).
وتحدد موقعها بجانب المنيا فى الظهير الصحراوى على بعد (300) كيلو متر من القاهرة لكى يذهبوا ولا يعودوا ـ على حد تعبيرها ـ، وظهر هنا عيب سألتها عنه فلم تجب برد مقنع وهو أنه حينما تنتقل العاصمة سينتقل الموظفون معها وستبقى القاهرة بالفقراء والعاطلين ـ يجب أن نعرف ان مثل هذه الدراسات لا تهتم بالفقراء ـ وكان السؤال التالى هو أنه لماذا إنشاء مدن جديدة مع وجود مدن خالية؟ وبالطبع لا رد!
وحينما قلت لها أن هذه عروض غربية للمدن لا تتفق مع ثقافتنا ـ كل حديثنا كان فى فترة استراحة الشاى ـ قالت لا ليس هكذا الأمر فأنت صاحب الخيار فى اختيار شكل منزلك!!!، ويمكنك الاعتراض على الشكل المعروض وتختار شكل آخر!!!، وهى بهذا تضع لنا حرية غير موجودة على أرض الواقع، فأدركت أنها تهرب من مثل هذه الأسئلة بأسلوب لطيف، فتركتها.
وجب أن أقول شئ غاية فى الأهمية وهو أن الأستاذة نسرين لحام كانت تستشهد بنموذج
إسرائيل ـ لا أتذكر هل كان فى إدارة إسرائيل العاصمة أم فى شئ آخر ـ فهبت فيها الدكتورة جليلة القاضى بقولها إسرائيل إسرائيل هى إيه الحكاية هو مفيش غير إسرائيل التى تستشهدى بها فاستدركت نسرين بأنها تعرض نموذج لا أكثر!!!

مدينة عالمية على أرض مصرية، أم مدينة أمريكية على أرض مصرية
وكان فى الجلسة الختامية التى تحدث فيها الأستاذ أحمد أبو زيد عن أن القاهرةيمكنك أن ترى تشاهد التاريخ الفرعونى والقبطى والإسلامى فى يوم واحد!، وهذا نادر!!!، وتحدث عن ثقافة المول وسلبياتها.
بالطبع أنا لم أذكر كل ماقيل من الحديث عن العشوائيات التى تحدث عنها الأستاذ عبد المولى إسماعيل، وكجلة أمكنة التى تحدث عنها الأستاذ علا خالد التى صدر منها أول عدد عام (1999 )، وبالتالى فعزيزى القارئ الصورة ليست كاملة بالنسبة لكط فأعتذر عن هذا التقصير.
وقالت الدكتورة هبة رؤوف عزت بأنه يجب أن نضع مقترحات تكون ركيزة للمؤتمرات القادمة، وكان من هذه المقترحات والأسئلة التى قالها الحضور الكريم:
  • إنشاء شرايين بين القاهرة وظهيرها الصحراوى.
  • تفعيل دور المحليات: بالدراسة والتخطيط وغعطاء صلاحيات أكبر.
  • هناك طاقات وأفكار ولكن المهم التنفيذ.
  • خلق حالة من التواصل بين بين مراكز الدراسات ومراكز النجتمع المدنى.
  • عدم توقف الأمر على القاهرة فقط والنظر للمدن الآخرى.
  • يجب مشاركة الناس فى تخطيط مدنهم.
  • كيف نخرج من القاهرة؟
  • هناك فارق بين العشوائيات والحارة المصرية ويحب أن ننتبه لهذا.
  • خلق توازن بين القاهرة والصعيد حتى لا يأتى الكل إلى القاهرة.
  • نيل القاهرة همزة وصل أم همزة فصل؟
ولكنى حينما ذهبت للبيت فكرت فى الأمر وكتب عدة نقط
  • إستكمال تجربة خليل شعت ومتابعتها وتطبيقها فى أماكن آخرى.
  • يجب مواجهة القاهرة 2030و2050 منا نحن بإنشاء بحوث للخروج من هذه الأزمة.
  • إشراكالرأى العام من أحزاب وسياسيين ومثقفين وإعلاميين حتى يكون برنامج عام.

وبما أننى لم أذكر كل شئ فإننى سأراسل الدكتورة هبة رؤوف عزت لكى ترسل لنا أوراق المؤتمر لكى ننشرها حتى يسهل للراغبين فى التعرف على مشاكل القاهرة الإطلاع أكثر، وعلى المهتمين بمشاكل القاهرة أن يراسلوا الدكتورة هبة لكى يتم توحيد الجهود.

بقى شئ واحد لطيف وهو أن الدعوة التى جائتنى من الدكتورة هبة جائتنى عن طريق الخطا فأنا لم أكن المقصود بالدعوة وقد وجدت فى أجندتى أننى كتبت "أخطات فى النداء وأصبت فى التلبية" وهى أننى رغم أن الرسالة جائتنى عن طريق الخطأ إلا أننى أصبت فى الذهاب إلى هذا المؤتمر .
هناك مجموعة صور إلتقطها ولكن للاسف ليست متاحة الآن، حينما تتاح سوف أعرضها.


الخميس، يناير ٠٧، ٢٠١٠

الإسلام بين الدعوة والصحوة


لم يكن خروج رجل فى شبه الجزيرة العربية ليقيم دولة وإمبراطورية ويغزو البلاد شرقًا وغربًا.

بالطبع لم يكن كذلك.

ولم يكن أيضًا رجلاً خرج إلى الناس ليدخلهم صوامع ومساكن يتعبدون فيه الله لا يضرهم من ضل أو اهتدى.

بل جاء النبى صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الضلمات (الحيوانية) إلى النور (الإنسانية)

فقام فيهم مرشداً. وقام فيهم قائدًا لدولة الإسلام، ليس لحماية الدين فقط، ولكن لكى يكتمل هذا الدين، فلإسلام ليس مجرد عبادات وهو أيضًا ليس ليس مجرد دولة أو نظام يحكم نيابة عن الرب.

لقد جاء الدين بأوامر ونواهى للفرد وللمجتمع. فليس صحيحًا أنه جاء ليصلح ما بين العبد وربه وحسب. ولكن جاء ليمتد هذا الصلاح الذى بينه وبين الله ‘لى المجتمع (الأمة).

ولما كان حالنا الآن لا يقوم على أساس الدين الصحيح (الفرد والجماعة معًا)، كان لابد للنظر لهذه الهنة (السقطة)

فيستعرض الدكتور محمد سعيد رمضان البوطى فى كتابه الرائع الماتع (التعرف على الذات) (التعرف على الذات هو الطريق المعبد إلى الإسلام) أن سائر مظاهر التخلف التى رانت على العالم الإسلامى كانت بسبب عاملين:

أولهما: الإنبهار بمظاهر النهضة الأوربية.

وقد أورث هذا الإنبهار شعورًا بالنقص، وريبة فى حقيقة الدين ورغبة أن يعامل الإسلام هنا كما عوملت النصرانية هناك إبان النهضة الأوربية.

ثانيهما: بقايا الثورة الهائجة على قيود الكنيسة .

وكان هذا خلال النصف الأول من القرن العشرين

ولكن الذى طرأ بعد ذلك امران:

1- زوال الإنبهار الذى كان قد غشّى على أبصار الأمة الإسلامية.

2- سكون بقايا تلك الثورة المعتلجة فى صدور الغربيين.

وجرى فى الماء الذى بين الشرق والغرب الكثير، فبعد ان كان الإشمئزاز من الدين أصبح التطلع إلى المناقشة والحوار والبحث عن الجذور الواحدة للأديان لتعقد بينها صلحًا حقيقيًا يمكن لاعتماد عليه فى حل مشكلات الحضارة.

ويتسأل الدكتور البوطى: هل لهذه التحولات أثر على تقويم حقيقة الدعوة الإسلامية سواء من حيث أهميتها الذاتية، أو من حيث ما قد يجب أن تتقيد به من منهج وأسلوب؟

ويجيب الشيخ الجليل: بأن الأهمية الذاتية للدعوة الإسلامية قد تضاعفت، وأن واجب النهوض بها أصبح أشد أهمية وأكثر اتساعًا. ويقول أن هذه المهمة قد تحولت من الفروض الكفائية ـ فى أغلب الأحقاب التى خلت ـ إلى فرض عين.

وأما عن المنهج الأمثل للدعوة فيرى أن أهم الدعائم الكلية الهامة لنجاح المسلمين فى القيام بأعباء الدولة الإسلامية هى عدة شروط:

1- المعرفة: فيجب أن يكون الداعى إلى الله على بينة من حقيقة الإسلام وأن يعرف الناس به ويدعوهم إليه.

ترى، هل الإسلام مذهب فكرى أو سلوكى يقارع غيره من المذاهب المماثلة؟ أم هو مذهب ينافس المذاهب الأخرى؟ أم هو جملة تشريعات وقوانين تنسخ بها بقية التشريعات؟ أم هو يمين فى مواجهة يسار أم يسار فى مواجهة يمين؟

ويتلطف بنا الكتاب فى تعريف الداعى إلى الله مجموعة أشياء يجب أن يكون عالمًا بها منها أن الإسلام ليس مجموعة تشريعات ولا مذهب فكرى ، فهو ليس هذا ولا ذاك. ولكنه كما يدل عليه اسمه. استسلام مطلق لألوهية الله وحده، ثم انقياد لأمره ونهيه وقضائه.

ويشير غلى أن قوام الدين الحق الذى ألزم به عباده مكون من ثلاثة أركان: إيمان وإسلام وإحسان.

فمغرس الإيمان فى القلب، ومكان الإسلام الجسد كله، ومستقر الإحسان صلة ما بين القلب الذى آمن والجسد الذى استسلم.

ويرى أنه لا قيمة لدعوة الناس إلى اختيار منهج معين فى السلوك أو نظام متميز للحياة ، إلا الإصطباغ التام بالعبودية المطلقة لفاطر السماوات والأرض.

2- هو أن تشيع الدعوة أولاً فى صفوف المسلمين أنفسهم: ويرى أن مجرد انتشار الدعوة فى صفوف المسلمين هو فى حد ذاته دعوة.حتى إذا استقام أمرهم على النهج السليم، وتجسدت فى حياتهم حقائق الإسلام وفطرته وأخلاقه، انبثق لهم من ذلك لسان مبين يدعو الأمم الأخرى إلى اتباع دين الله عز وجل، وتجلى من سلوكهم أمام تلك الأمم خط مضئ يشق سبيله وسط أمواج الظلام وعكر المذاهب والأفكار المنحرفة. فكان من ذلك أهم عامل يحمل تلك الأمم على مزيد من الاهتمام بفهم الإسلام أولاً، ثم الاعتناق له والانصباغ به ثانيًا.

3- تلاقى الجهود بين الراعى والرعية: فلا قيمة لما قد تنفرد به فئات أو أفراد من المسلمين فى نطاق العمل الإسلامى، إذا لم تكن للدولة الحاكمة فى ذلك دور أساسى فعال، ولئن ظهر بعض الفوائد والأثار فهى لا تعدو أن تكون أثارًا جزئية، ويغلب أن تكون مع ذلك سطحية ومؤقته.

فالذين يرشدون ويوجهون إنما يجتازون بالناس عقبة نظرية فقط، وتبقى من بعدها مرحلة السعى إلى التنفيذ ، وهى مليئة بالعقبات والمعوقات.. ولا يقدر على تذليل تلك العقبات وإزاحة المعوقات، إلا قادة المسلمين وأولو الأمر فيهم.

وما أظن إلا أن هذه المسؤلية، هى التى يجسدها ويعبر عنها الأثر القائل: إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن

ويرى شيخنا أن من الخير أن نبحث عن السبب الذى أفقد روح التعاون الحقيقى بين المتحرقين على الدعوة الإسلامية من آحاد المسلمين والقائمين على أمرهم من القادة والحكام!

إن السبب، بكلمة جامعة مختصرة، هو السياسة!

لقد كانت كلمة “السياسة” تعنى فيما مضى سلوك سبيل الحكمة والتعقل إلى الهدف المنشود. فكانت مطية زلولاً وسبيلاً معبدة إلى بلوغ الغايات السامية. ولكن تحولت هذه الكلمة إلى ألوان معقدة من المناورات والمحاولات ووجه التعامل بين القادة. وتحول من وسيلة إلى وسيلة وغاية فى نفس الوقت!!

ونظر شيخنا. فرأى : أن الدين ذاته واحد من الوسائط الخادمة!.. فما اكثر ما يستنطق الدين بما نهواه السياسة.

مع العلم أن الله جل شأنه، ما أنزل الدين على عباده إلا كبحًا لجماع الرعونات، وجمعًا لشتات الآراء، وإزالة لأحقاد القلوب وسخائم النفوس. فمعاذ الله أن تكون له وجوه متعددة يصانع بها أرباب السياسة وأبطال الكرّ والفر، ليفوز برضوان الجميع!..

إن علينا جميعً أن ندرك أن العمل السياسى فى أيدى قادة الأمة الإسلامية، ليس إلا سلاحًا لخدمة الإسلام وإقامة المجتمع الإسلامى فوق أرفع ذرى الأرض

الجمعة، يناير ٠١، ٢٠١٠

مالك بن نبى.. إحكى يا مالك


هذه متعة عقلية لا تقارن إذا كنت من محبى الحياة السريعة والصاخبة، بالطبع أنت لن تجد ماكدونالدز وبيتزا هت ولا حتى مؤمن، وكذلك أنت لن تجد أغانى الدقيقة ولا نانسى وهيفا ـ حيث كل ما ذكرت أصبح مقترن بالحياة السريعة فى الوقت الحاضر ـ ولكن هذا الرجل لم يهدأ له بال، أنا أطلقت عليه الرجل الباحث فهو دائمًا يسأل ماذا أفعل؟ على مدار الكتاب ستجد هذه الجملة تتكرر كثيرًا، فهو ينتقل من مكان لآخر ومن حال لحال فى سرعة ليس لها مثيل، هو دائمًا ما يكون هنا ويسير عليه أن يذهب إلى هناك ـ دعك من أن الظروف تضطره إلى ذلك فى بعض الأحيان ـ ولا تسألنى أين هنا وأين هناك فهى كثيرة، فى هذا الكتاب ستعرف على كثير من مشكلات الحركة الإسلامية والثقافية وعيوب الصوفية.
ستتعرف على الجزائر وفرنسا، ستركب السفن والقطارات، ستير فى الشوارع وتجلس فى الميادين.
بالرغم من أن كاتب المذكرات هو مالك بن نبى إلا أن هذا الأسم لم يرد قط فى المذكرات بل إن اسمه الوارد السيد الصديق، ربما يكون السيد لقب ولكن ماذا عن الصديق.
وهذا الكتاب
حقًا جولة فى عالم المثقفين والسياسيين والحركات الإسلامية، كل هؤلاء تجدهم فى هذا الكتاب، ستتعرف على بعض ما أصاب الجماهير الغفيرة والمثقفين من أمراض.
يستعرض مالك أو السيد الصديق بعض المشكلات خصوصًا داء الكلام فيقول " فتحت فى الجزائر محابس
الكلام، فاستولى على كل فرد داء الكلام كلامه أو كلام جاره، وإنه لداء قتال!
حتى إن بعض المصابين كان ذات يوم مع الجمهور التبسى ـ نسبة إلى تبسة فى الجزائر ـ، يستمع إلى الخطباء يتكلمون بقاعة المهرجانات، فطلب الكلمة فلم تعط له، فصرخ:
- إنى سأنفجر إن لم أتكلم ! ..
فأراد بعض الحاضرين أن يتفادو الانفجار فقالوا:
- أعطوه الكلمة ! .. أعطوه ! ..
قفز المريض على المنصة ومكنسة بيده، لا أدرى أين وجدها وقال:
- يجب أن نكنس الاستعمار هكذا ! ..
هذا كل ما قاله وهو يلوح بالمكنسة ، ثم نزل مرتاحًا كمن تنفس بعد ضاق صدره؛ ولا يستطيع أحد تقدير ما تكبدنا من خسائر جوهرية منذ استولى علينا مرض الكلام، ومنذ أصبح المجتمع سفينة تائهة.
كانت الأفكار قبل ذلك صافية، والنوايا خالصة صادقة، والقلوب رحيمة خيرة ، فاستحال كل ذلك إلى الخلط والخبط والتباغض والانتهازية والثرثرة."
وله مقولة جميلة للتعبير عن كل هذا فيقول السيد الصديق كل ذى أذن أصبح ذا فم يتكلم.
ولبعض المثقفين أمراض، فيعتل عقله ويمرض فكره ويتبدل انتمائه، فيروى السيد الصديق أن واحدًا قام خاطبً
ا فى الناس هو حمودة بن الساعى ـ صديق السيد الصديق ـ فقال له، إننى لا أعتقد أن هذه المحاضرة من تحرير حمودة بن الساعى، ولا من بنات فكره ، فبعض جملها سبق وتكرر على مسمعى كأننى طالعتها فى إحدى المجلات الشرقية.
وهنا يقول
السيد الصديق " لم أكن قد عرفت بعد أنها حالة مرضية تعترى غالبية حاملة الثقافة عندنا،فإن كانت ثقافتهم تقليدية فمثلهم الأعلى فى الشرق، وإن كانت عصرية فمثلهم الأعلى فى فرنسا.
وبالأحرى لم أكن أعرف أن هذه الحالة المرضية تعترى كل مثقفى العالم الإسلامى ، إذ تراهم يعانون مركب نقص نحو الثقافة الغربية ، وإنما تتخذ هذه الحالة عندنا ازدواجية بسبب ما يعانى الشباب تجاه ( طه حسين ) من ناحية وتجاه ( فرانسوا فانون ) من ناحية أخرى، لأن التكوين غالبًا ما يكون أدبيًا.
وهى بالتالى ظاهرة عامة: إن كل مجتمع فقد حضارته يفقد بذلك كل أصالة فى التفكير، أو فى السلوك أمام أفكار الأخرين.
ويستعرض حادثة تدل على مرض المثقفين حيث دعى لندوة كان المتحدث فيها برنارد لوكاش رئيس المنظمة اليهودية ، وحينما قام مالك بن نبى للرد عليه، تلطف به واستعرض وحشية الوضع الاستعمارى فى الجزائر وكان يلاحظ بعض الانكماشات على وجه برنارد ليس لأنه فوجئ بالصورة ، إذ هو يعرفها بحذافيرها، بل لأنه كان ينتظر من مالك الفظاظة والعجرفة التى تجرح العواطف عوض أن تنيرها، كان ينتظر منه ذلك لمعرفته بأسلوب المثقفين بنوعيه، فإما الإطراء والمدح أو التهريج والتهييج.

وحينما جاء الدكتور ( بومالى ) يحذر النواب من الاستقالة فقال له مالك "..
-إنك إذن قد أتيت بإنذار لمدينة تبسة.. يا دكتور.
قلت له هذه الكلمات وحدقت فيه البصر، فتنحى من وجهى قليلاً......
وفى تلك اللحظة أدركت تمامً الموقف: إن النخبة المثقفة ولجت بكل وضوح طريق الخيانة، وإن الاستعمار بدأ يستخدم الزعماء لإلقاء الحيرة والريبة فى الضمائر، مفضلاًَ هذه الطريقة على ( اتخاذ الإجراءات الصارمة ) التى لا تزيد إرادة الشعب إلا صلابة.
وينتقد مالك بن نبى فكرة نقل القيادة من الفقهاء والعلماء إلى أصحاب الطرابيش " لقد فقدت الكلمة قيمتها بانتقالها من النادى أو المسجد إلى المقهى، منذ سلّمتِ القيادة ( المعمّمة ) زمام الأمر للقيادة ( المطربشة )، حتى على رأس المؤتمر الجزائرى الإسلامى، الذى ذهب أول ضحية لهذا التسليم.
ومع هذا الشكل الذى يظهر ( محافظـًا ) إلا أنه فى موضع أخر يظهر ( إصلاحيـًا ) " كان يحرجنى التدخل حاكم صلح بين أخوين، يرى كل منهما نفسه أنه على صواب، الأول باسم تقاليد نسختها الأيام، والثانى باسم حرية تقرير المصير التى رسخت الأيام معناها فى الأذهان" فهو هنا يصف التقاليد بأنها نسخت.
بطبيعة الحال أغلب المفكريين اضطهدوا، وتعرضوا لمتاعب أو مشاكل، فلن يتوقف الأمر على مالك إذن، فهو كغيره ارتكب الجرم الأعظم والخطيئة المشينة والذنب الفادح وهو التفكير. فليرضى إذن بما سيلاقى.
فكان نشاطه المعادى للاستعمار فى فرنسا أن جائه نبأ سئ " دق الباب نبأ من تبسة، يخبرنى والدى أن رئيسه حاكم المدينة، أمر بنقله إلى مكان آخر.

بالطبع مصر حاضرة وبقوة ـ ليست قوة الحضور ولكن قوة الطغيان ـ حيث كان سيسافر إلى الحجاز عبر مصر، ولكن مصر أبت.
- لا أدرى هل هناك شيطان خاص بأبناء المستعمرات، يتتبع خطواتهم أينما يتوجهون، ولم يخطر ببالى وأنا أودع (أمى مورناس) ـ حماته ـ، وأدلى بالتوصيات الأخيرة لزوجى، وأخرج من بيتى معتقدًا أنه يكفى جزائريًا يعيش فى ظل الاستعمار، أن يكون فى جيبه جواز السفر وما يكفيه من النقود ليسفر فعلاً كأى إنسان.
وإذا اتبعنى فعلاً فى ذلك الصباح الشيطان، فإنه كان لا شك يضحك منى ويتهيأ ليعيش على حسابى أكبر مهزلة لعبها فى حياته اللعينة.
وصلت إلى باريس فتوجهت فى الحين نحو السفارة المصرية، وكان السفير يومئذ (فخرى باشا)، وعندما وصلت إلى بابها ودخلت، شعرت أننى وضعت أقدامى على أرض وطنى العربى أو الإسلامى أو الاثنين معًا.
فاستقبلنى أحد السعاة وطلب منى تحريرًا وتوقيع الاستمارات النعدة لطلب التأشيرات، فسلمتها له مع الجوازات ثم دلنى ساعٍ آخر على قاعة الانتظار، فوجد أوربيين وخاصة أوربيات لم أكن أعرف بعد ما يجذبهن لزيارة أبى الهول ولا سبب هوايتهن لمناظر النيل، ولا البضاعة الخاصة التى يروجونها على ضفتيه، تلك البضاعة التى ـ سأكتشف فيما بعد ـ لها رواج كبير فى البلاد العربية خاصة اليوم، بعد اكتشاف البترول والسيارات (المرسيدس) ـ لقد تغير الحال يا أستاذ وما عدنا نبيع ـ.

ومن حين لآخر يظهر الساعى فى مدخل القاعة، فينادى أحد المنتظرين ثم يرجع ينادى آخر، وربما يكون قد أتى بعدى، ولم يخامر ذهنى أن أعلق أى تعليق على ذلك متمسكًا بثقتى فى البشر وبالصبر الجميل.
ولكن القاعة بدأت تفرغ حولى، وإذا بالساعى ينادينى، فتنفست الصعداء فدخلت مكتب متسع الأرجاء عميق الأغوار.
إن مركبى الأفلام يعرفون استغلال هذه الظاهرة، فى بعض مقاطع تركيبهم عندما يضعون بين زائر يدخل مكتبًا ومن يستقبله فيه أكبر بعد ممكن، حتى تزيد كل خطوة من خطوات الزائر فى التفاعل بين الشخصيتين، وترتفع بقدر ذلك درجة التأثير المسرحى فى المقطع، خاصة إن كان الزائر يشعر، أو من يقوم بدوره يشعر، أنه يسير فى تلك الخطوات إلى مصيره.
كان يستقبلنى يومئذ قنصل مصر فى باريس، وعندما وصلت وجدت الجوازين على مكتبه:
- أتريد أن تسافر إلى مصر؟
شعرت بخبث السؤال، لأن نظرتى فى وجه القنصل لم تكن مريحة، فأجبت:
- إننى، إن شاء الله، مسافر إلى الحجاز كما ذكرت فى الاستمارات..
- إنك إذن تستطيع الحجز على باخرة تذهب مباشرة إلى جدة دون أى حاجة إلى تأشيرة إلى مصر.
- نعم سيدى كان ذلك أجدى، ولكن شركة (كوك) للأسفار أخبرتنى أن المواصلات المباشرة مفقودة بين مرسيليا وجدة، وأشار على موظفها بأننى سأجد بميناء السويس الباخرة التى تنقلنى إلى ميناء الحجاز، فتوسمت فى الرجل طبيعة ساذجة يتنعم بألم الآخرين، ولا يتراجع عن شر قدّره أو أمر بتنفيذه، حتى كان من العبث أن يحاول المرء إيقاظ ضميره.
فارتجت الأرض تحت أقدامى، فحوقلت، ورجعت وأخذت الجوازات وخرجت، ونفسى تردد الترجيع فى خطوة، وفى أخرى [ إن الرجل صنيعة ] ، لأن الجانب الشيطانى قد اتضح فى الأمر: إن الاستعمار يستطيع أن يتمسك فى بعض الحالات بمظاهر المشروعية، لأن خونة من بين العرب ومن بين المسلمين يتولون الأمر، للقيام بالدور الذى لا تسمح له به كبرياؤه فى تلك الحالات.
وهو يميل إلى الفكرة الوهابية "الأمر الذى لا شك فيه، والذى كنت حسب اعتقادى أعلم المسلمين به، هو أن الاستعمار كان يتضايق كثيرًا من تولى الدولة السعودية على الأرض المقدسة، لأنها ستصبح هكذا منارة إشعاع للفكرة (الوهابية)، يعنى فى نظرى سيطة الفكرة الإسلامية التى تصلح بما فيها من طاقة متحركة، لتحرير العالم الإسلامى المنهار منذ سقوط خلافة بغداد"
وظل مالك بن نبى يبحث ويسأل مذا أفعل الآن؟ ظل هذا السؤال يتردد كثيرًا، فهو يقف عند هذا النقطة يلتقط أنفاسه ويسأل ماذا أفعل الآن؟ وهكذا هو لا يتوقف عن المضى قدمًا فيما يريد ـ إذا وفقه الله سار وإلا سأل نفسه ـ ويتوقف ليسأل نفسه ماذا أفعل الآن؟
وكما سب سيدنا النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو حى، فهو يسب الآن، لا فرق، وسب أيضًا فى عهد مالك بن نبى، حيث كتبت أبيات شعرية على بناية، فى فرنسا، فيها إهانة للنبى العظيم. فتأثر مالك...
"ورجعت إلى غرفتى فى سأعة متأخرة ليلاً والأسى يصط عظامى، وألقيت نفسى على السرير يؤرقنى الألم، وعندما أطفأت النور انطلقت من شفتىّ لعنة على من يتجرأ هذه الجرأة العمياء على حرمة النبى، وانتهت اللعنة فى صورة تضرع:
- يا الله.. إن النبى تمس كرامته ولا تزلزل الأرض!!
ولم تكد هذه الكلمات تمر فى فكرى حتى شعرت بسريرى يتأرجح، وفجاة نسيت دار البا ـ التى كتب عليه الإهانة ـ والللافتة والطلبة ولم يبق فى ذهنى إلا فكرة واحدة:
- هذا شخص تحت السرير!.
فولعت النور على الفور، ولم يكن أحد تحت السرير بطبيعة الحال، ولكننى لم أشك فيما شعرت به من تأرجح دون أن أفسر الأمر بوجه.
وفى الغداة شرعت فى تحقيق لأتأكد، فسألت جيرانى فى الدور فلم يشعر أحدهم بشئ، ولكننى لما كنت كل يوم أحد أطالع الجريدة فتناولتها وأنا على سطح المقهى، وإذا بمقطع صغير ينقل نبأ من مرصد (جرنويش): إن هذا المرصد سجل الليلة هزة صغيرة.
وكانت ساعة الهزة تنطبق مع حركة سريرى، هذا هو الأمر، أفضى به كما هو لمن يريد أن يتأمله ولمن يريد أن يهزأ منه."
بالطبع هذه المذكرات شديدة الثراء والمتعة، وأنا أرى أنك لتتعرف على شخص ما يجب عليك أن تقرأ مذكراته، أو ترجمة له، ولكن هذه المذكرات يعيبها كثرة الأسماء حيث أن القارء ـ بطبيعة الحال ـ ليس مطلع عليهم ـ ولو كان عايشهم فى زمانهم فما بالك بزماننا ـ فلم يراعى الكاتب هذه الجزئية حيث لم يراعى أنه قد يقرأ شخص ما من بلد آخرى هذه الكلمات، ورغم أن هذا عيب إلا أنه يذكر أسماء الصحف ـ وهى كثير ـ وكأنه تأريخ وليس ذكر . فربما يستفيد المهتمين بتاريخ الناس والصحف بهذه المذكرات. وها أنا أعيب الإسهاب فى موضع إلا أننى أفتقده فى موضع آخر حيث لا يذكر لنا كيف تزوج زوجته الفرنسية، حيث تجد فى لحظة ما يذكر أنه تزوج وكأنك كنت حاضر معهم عقد القران فيعتقد أنك لست بحاجة إلى ذكر كيف تم التعارف والزواج، وأنا لا أكتب هذه الكلمات من باب الفضول ـ وإن كان الكاتب عودنى على هذا بذكره تفاصيل الحكايات والشخصيات والمواقف ـ ولكن من باب أن الأمر ليس فيه مشكلة، فهو ليس ذكر للخصوصيات ولا إقتحام للحرمات، وأعتقد أنه كان محرج أو خجل من ذكر هذا التفصيل ـ الصغير ـ وتأكيدى على هذا أنه فى مواضع آخرى يثنى على زوجته ثناءً جميلاًً، وكأنه أراد أن يعوض هذه بتلك. وهو فى هذه المذكرات أيضًا يذكر أنه تزوج بدون علم أهله، وتأخر فى إخبارهم. وعلى كل فهذه تفصيلة ـ يسيرة ـ شدة إنتباهى لجرأة مالك بالصدع بالحق وعدم خوفه من ذكر تفصيلة وإن كانت بها نقد له هو شخصيًا.
بالطبع لم أوف الكتاب حقه ولا الكاتب مالك بن نبى، ولكن هذا بعض ما جذبنى فى هذه المذكرات، وأنا أدعوكم لقراءة هذه المذكرات..
فهى حقًا مذكرات شاهد للقرن.