الخميس، يناير ٠٧، ٢٠١٠

الإسلام بين الدعوة والصحوة


لم يكن خروج رجل فى شبه الجزيرة العربية ليقيم دولة وإمبراطورية ويغزو البلاد شرقًا وغربًا.

بالطبع لم يكن كذلك.

ولم يكن أيضًا رجلاً خرج إلى الناس ليدخلهم صوامع ومساكن يتعبدون فيه الله لا يضرهم من ضل أو اهتدى.

بل جاء النبى صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الضلمات (الحيوانية) إلى النور (الإنسانية)

فقام فيهم مرشداً. وقام فيهم قائدًا لدولة الإسلام، ليس لحماية الدين فقط، ولكن لكى يكتمل هذا الدين، فلإسلام ليس مجرد عبادات وهو أيضًا ليس ليس مجرد دولة أو نظام يحكم نيابة عن الرب.

لقد جاء الدين بأوامر ونواهى للفرد وللمجتمع. فليس صحيحًا أنه جاء ليصلح ما بين العبد وربه وحسب. ولكن جاء ليمتد هذا الصلاح الذى بينه وبين الله ‘لى المجتمع (الأمة).

ولما كان حالنا الآن لا يقوم على أساس الدين الصحيح (الفرد والجماعة معًا)، كان لابد للنظر لهذه الهنة (السقطة)

فيستعرض الدكتور محمد سعيد رمضان البوطى فى كتابه الرائع الماتع (التعرف على الذات) (التعرف على الذات هو الطريق المعبد إلى الإسلام) أن سائر مظاهر التخلف التى رانت على العالم الإسلامى كانت بسبب عاملين:

أولهما: الإنبهار بمظاهر النهضة الأوربية.

وقد أورث هذا الإنبهار شعورًا بالنقص، وريبة فى حقيقة الدين ورغبة أن يعامل الإسلام هنا كما عوملت النصرانية هناك إبان النهضة الأوربية.

ثانيهما: بقايا الثورة الهائجة على قيود الكنيسة .

وكان هذا خلال النصف الأول من القرن العشرين

ولكن الذى طرأ بعد ذلك امران:

1- زوال الإنبهار الذى كان قد غشّى على أبصار الأمة الإسلامية.

2- سكون بقايا تلك الثورة المعتلجة فى صدور الغربيين.

وجرى فى الماء الذى بين الشرق والغرب الكثير، فبعد ان كان الإشمئزاز من الدين أصبح التطلع إلى المناقشة والحوار والبحث عن الجذور الواحدة للأديان لتعقد بينها صلحًا حقيقيًا يمكن لاعتماد عليه فى حل مشكلات الحضارة.

ويتسأل الدكتور البوطى: هل لهذه التحولات أثر على تقويم حقيقة الدعوة الإسلامية سواء من حيث أهميتها الذاتية، أو من حيث ما قد يجب أن تتقيد به من منهج وأسلوب؟

ويجيب الشيخ الجليل: بأن الأهمية الذاتية للدعوة الإسلامية قد تضاعفت، وأن واجب النهوض بها أصبح أشد أهمية وأكثر اتساعًا. ويقول أن هذه المهمة قد تحولت من الفروض الكفائية ـ فى أغلب الأحقاب التى خلت ـ إلى فرض عين.

وأما عن المنهج الأمثل للدعوة فيرى أن أهم الدعائم الكلية الهامة لنجاح المسلمين فى القيام بأعباء الدولة الإسلامية هى عدة شروط:

1- المعرفة: فيجب أن يكون الداعى إلى الله على بينة من حقيقة الإسلام وأن يعرف الناس به ويدعوهم إليه.

ترى، هل الإسلام مذهب فكرى أو سلوكى يقارع غيره من المذاهب المماثلة؟ أم هو مذهب ينافس المذاهب الأخرى؟ أم هو جملة تشريعات وقوانين تنسخ بها بقية التشريعات؟ أم هو يمين فى مواجهة يسار أم يسار فى مواجهة يمين؟

ويتلطف بنا الكتاب فى تعريف الداعى إلى الله مجموعة أشياء يجب أن يكون عالمًا بها منها أن الإسلام ليس مجموعة تشريعات ولا مذهب فكرى ، فهو ليس هذا ولا ذاك. ولكنه كما يدل عليه اسمه. استسلام مطلق لألوهية الله وحده، ثم انقياد لأمره ونهيه وقضائه.

ويشير غلى أن قوام الدين الحق الذى ألزم به عباده مكون من ثلاثة أركان: إيمان وإسلام وإحسان.

فمغرس الإيمان فى القلب، ومكان الإسلام الجسد كله، ومستقر الإحسان صلة ما بين القلب الذى آمن والجسد الذى استسلم.

ويرى أنه لا قيمة لدعوة الناس إلى اختيار منهج معين فى السلوك أو نظام متميز للحياة ، إلا الإصطباغ التام بالعبودية المطلقة لفاطر السماوات والأرض.

2- هو أن تشيع الدعوة أولاً فى صفوف المسلمين أنفسهم: ويرى أن مجرد انتشار الدعوة فى صفوف المسلمين هو فى حد ذاته دعوة.حتى إذا استقام أمرهم على النهج السليم، وتجسدت فى حياتهم حقائق الإسلام وفطرته وأخلاقه، انبثق لهم من ذلك لسان مبين يدعو الأمم الأخرى إلى اتباع دين الله عز وجل، وتجلى من سلوكهم أمام تلك الأمم خط مضئ يشق سبيله وسط أمواج الظلام وعكر المذاهب والأفكار المنحرفة. فكان من ذلك أهم عامل يحمل تلك الأمم على مزيد من الاهتمام بفهم الإسلام أولاً، ثم الاعتناق له والانصباغ به ثانيًا.

3- تلاقى الجهود بين الراعى والرعية: فلا قيمة لما قد تنفرد به فئات أو أفراد من المسلمين فى نطاق العمل الإسلامى، إذا لم تكن للدولة الحاكمة فى ذلك دور أساسى فعال، ولئن ظهر بعض الفوائد والأثار فهى لا تعدو أن تكون أثارًا جزئية، ويغلب أن تكون مع ذلك سطحية ومؤقته.

فالذين يرشدون ويوجهون إنما يجتازون بالناس عقبة نظرية فقط، وتبقى من بعدها مرحلة السعى إلى التنفيذ ، وهى مليئة بالعقبات والمعوقات.. ولا يقدر على تذليل تلك العقبات وإزاحة المعوقات، إلا قادة المسلمين وأولو الأمر فيهم.

وما أظن إلا أن هذه المسؤلية، هى التى يجسدها ويعبر عنها الأثر القائل: إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن

ويرى شيخنا أن من الخير أن نبحث عن السبب الذى أفقد روح التعاون الحقيقى بين المتحرقين على الدعوة الإسلامية من آحاد المسلمين والقائمين على أمرهم من القادة والحكام!

إن السبب، بكلمة جامعة مختصرة، هو السياسة!

لقد كانت كلمة “السياسة” تعنى فيما مضى سلوك سبيل الحكمة والتعقل إلى الهدف المنشود. فكانت مطية زلولاً وسبيلاً معبدة إلى بلوغ الغايات السامية. ولكن تحولت هذه الكلمة إلى ألوان معقدة من المناورات والمحاولات ووجه التعامل بين القادة. وتحول من وسيلة إلى وسيلة وغاية فى نفس الوقت!!

ونظر شيخنا. فرأى : أن الدين ذاته واحد من الوسائط الخادمة!.. فما اكثر ما يستنطق الدين بما نهواه السياسة.

مع العلم أن الله جل شأنه، ما أنزل الدين على عباده إلا كبحًا لجماع الرعونات، وجمعًا لشتات الآراء، وإزالة لأحقاد القلوب وسخائم النفوس. فمعاذ الله أن تكون له وجوه متعددة يصانع بها أرباب السياسة وأبطال الكرّ والفر، ليفوز برضوان الجميع!..

إن علينا جميعً أن ندرك أن العمل السياسى فى أيدى قادة الأمة الإسلامية، ليس إلا سلاحًا لخدمة الإسلام وإقامة المجتمع الإسلامى فوق أرفع ذرى الأرض

ليست هناك تعليقات: