الخميس، نوفمبر ١٨، ٢٠١٠

التربية والسلوك


إذا نزل الغريب فى بلد فإنه يستعين بمرشد أو يهتدى بخريطة لتدله على الطريق، ولكن ماذا عن الغريب الذى نزل إلى هذه الحياة؟! ألا يحتاج هو أيضًا إلى من يدله على الطريق؟ أم أن عقله القاصر وحواسه الخادعة سيوجهانه نحو الطريق؟
فهيا بنا نحو الطريق.
ولكننا لم نحدد أى طريق؟!
إن الطريق الذى يمكن أن نقول عنه إنه طريق. هو الطريق إلى الله، لكن كيف نستدل على هذا الطريق؟ وبمن نستعين؟!
عن ابن عباس ، قال : قدم ضماد مكة ، وهو من أزد شنوءة ، وكان يرقي من هذه الرياح ، فسمع سفهاء من سفهاء الناس يقولون : إن محمدا مجنون ، فقال : آتي هذا الرجل لعل الله أن يشفيه على يدي . قال : فلقيت محمدا فقلت : إني أرقي من هذه الرياح ، وإن الله يشفي على يدي من يشاء ، فهلم . فقال محمد : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ( ثلاث مرات ) ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد . فقال : والله لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء ، فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات ولقد بلغن قاموس البحر ، فهلم يدك أبايعك على الإسلام . فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : " وعلى قومك " . فقال : وعلى قومي . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، فمروا بقوم ضماد ، فقال صاحب الجيش للسرية : هل أصبتم من هؤلاء شيئا ؟ فقال رجل منهم : أصبت منهم مطهرة . فقال : ردوها عليهم فإنهم قوم ضماد . أخرجه مسلم
أرشدنى الله إلى هذا الكتاب، وهو ليس بكتا! ولكنه مجموعة خطب للإمام العلامة نور الدين على جمعه وعنوانه "التربية والسلوك" حيث يختص فى بناء النفس البشرية فى طريقها إلى الله.
وهذا الحديث الذى ذكرناه منذ قليل قد ذكره شيخنا الجليل فى خطبة له بعنوان "وإياك نستعين" وتحدث فيها شيخنا عن الاستعانة بالله وحده.
ورغم أنى كنت قد قررت أن أكتب وأستعرض ما فى هذا الكتاب من فوائد جمه، إلا أننى وجدت أن هذا فيه ظلم لشيخى وللكتاب و"الظلم ظلمات يوم القيامة" وهذا العنوان " الظلم ظلمات" كان عنوان خطبة للشيخ رائعة. ولأنه دعانا أن نعمل بالحديث الشريف ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ولأن (الدين النصيحة) فسأحدثكم عن خطبة رائعة ماتعة وهى (خطوات الطريق إلى الله) ويتحدث فيها شيخنا عن قضية هى من أخطر القضايا، فالكل يعرف المعلوم من الدين بالضرورة، لكن كيف يفعل المعروغ ويأمر به؟ وينتهى عن المنكر وينهى عنه؟ فيستعرض الداء " يسأل كثير من المسلمين، أن الشهوات تغلب عليهم، ثم يبصرون فيستغفرون ويرجعون ويتركون، ثم فورًا ينسون ويعودون إلى الشهوات كما كان الحال، فما المخرج من ذلك؟"
ويستعرض الداء بأكثر من صورة "إنما قد كثرت الذنوب وأحاطت بنا المعاصى، ومالت النفس إلى الشهوات؛ ردعها المسلم فلم ترتدع، وكرر عليها فلن تفعل، وكلما ذهب بها فرارًا إلى الله وإلى طريق الله خالفته وعصته، ورجعت به إلى طريق الشهوات، فكيف المخرج من ذلك؟"
وشيخنا ليس كغيره ممن يصرخون على المنابر مستعرضين الداء ولا يخبرون الناس بالدواء، فهو هنا أشبه بجراح ماهر شخّص الداء ووصف الدواء. وهو أيضًا يتمتع بأسلوب سلس سهل، فيأخذك فى رحلة فى بحار الإيمان كقبطان محنك تعود شق البحار! فيستعرض الدواء لهذا المرض الخطير فى عدة خطوات:
الأولى هى أن تنزل الرسول صلى الله عليه وسلم فى قلبك منزلة "الوالد للولد" حيث خلاه الله سبحانه وتعالى من أبنائه الرجال فيقول صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وبعدما أنزلت رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة المصاحب لك فى كل وقت وحين، فإذا بك تستحى أن تفعل الذنب وتستحى ألا تكون هناك همة، وتستحى من أن لا تذكر الله أو أن تنقطع عن ذكره سبحانه وتعالى، لأن أباك يراقبك ولأنه معك ولأنه مصاحبك، وبالتالى ستذكر الله كثيرًا بكرة وأصيلاً حتى يصبح الذكر عندك عادة قلبية وهذه هى خلاصة الخطوة الثانية
والثالثة هى أن ترى دائرة النور ودائرة الظلام، النور فيه طاقة وفيه بيان وفيه حلاوة وله طلاوة يكشف عن الحقائق، والظلام فى برودة ورائحته كريهه وأحواله مردية.
والله سبحانه وتعالى يثنى عليك لاتباعك نبيك ولإدراكك النور والظلمة ولذكرك له كثيرًا فينقلك من الظلام إلى النور، ومن الضيق إلى السعة ومن الاضطراب إلى الأمن.
ويؤكد على هذا المعنى" أيها المسلمون.. إذا أردت أن تُنقل من دوامة الشهوات إلى طريق الله فعليك باتخاذ النبى صلى الله عليه وسلم والد لك، ومصاحباً فى طريقك إلى الله، فإنه هو المبشر والنذير، وهو المبشر والشاهد، وهو المبشر والأخذ بيدك إليه سبحانه وتعالى، واذكر الله ذكرًا كثيرًا، وانتقل من دائرة الظلمة إلى دائرة النور بصلاة الله وملائكته عليك، ثم بعد ذلك استحضر نفاسة أجر الأخرة فى مقابلة تفاهة الدنيا بما فيها ومن فيها، فإذا فهمت ذلك واستوعبته وغيرت مفهومك عن الحياة الدنيا وعن الأخرة، واستصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم معك كل يوم، فسيعينك ذلك على نفسك فى طريق ربك"
وهو فى خطبة أخرى يقول" الطريق إلى الله يبدأ بالذكر وتتوسطه التربية وينتهى بالمراقبة والخلوة"
وبمكننا القول أن هذا الكتاب هو رحلة إيمانية فى الطريق إلى الله. رحلة من قرأ وفهم وجرب وذاق و"من ذاق عرف ومن عرف اغترف" وهذا الكتاب هو غرفٌ من بحر الإيمان.
والكتاب ـ كأى كتاب ـ له مميزات وله عيوب وإن كانت إحداهما تطغى على الآخرى، فالكتاب طبعته جيدة صفحاته تتمتع بالهدوء والكلمات واضحة والهوامش أسفل كل صفحة ليست بالصغيرة، لكن كان هناك بعض الأخطاء المطبعية وخصوصًا فى أية من القرآن الكريم ـ وهى واحدة فقط ـ ولا أفهم سر هذا العدد الكبير من الصفحات البيضاء خلف كل خطبة وخلف صفحة أفكار الخطبة التى تسبق الخطبة وإن كانت صفحة الأفكار جيدة إلا أن الصفحة التى تليها الخالية غير مبررة، مما جعل الكتاب يزيد فى عدد صفحاته عن الأربعمائة صفحة. وهذه الأخطاء والملاحظات لا تضر الكتاب كثيرًا ولكن نذكرها للتنبيه لشركة الوابل الصيب التى أنتجت هذا الكتاب وهى مشكورة على ذلك.
وهناك ملاحظة أخيرة، وهى تخريج أحد الأحاديث والاستشهاد بالشيخ الألبانى! والملاحظ فى الكتاب هو الاعتماد الدائم على البخارى ومسلم واحمد وغيرهم من العلماء الأوائل فى علم الحديث.

هناك تعليق واحد:

The Manager يقول...

جزاك الله خيرا اخي على العرض الرائع لما احتواه كتاب مولانا دكتور علي جمعة
حقيقي خليتني عاوز انزل اجيب الكتاب واقراه
قد ايه كلنا محتاجين الكتاب دة

بارك الله فيك
وفعلا موضوع الصفحات البيضاء بتدي انتطباع مش حلو عن المطبعة وللأسف دي حاجة متعودتش اشوفها في شركة الوابل وكتبها اللي دايما متميزة بالمستوى العالي جدا والدقة في الطباعة والعناية بالكتاب

اما الإستشهاد بالشيخ الألباني في تخريج الحديث اظنه يكون من باب (من فمك يدينك) اي انه يريد ان يثبت صحة الحديث وبالتالي صحة الفتوى او الرأي الخاص به خصوصا عند من يسمون انفسهم بالسلف فيقول لهم كيف تنكرون هذا الشئ وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحح شيخكم الحديث!! فيفحمهم بذلك
وغالبا ربما يكون هذا في فتوي من المختلف عليه من قبل المتسلفين

بس كدة :)