الثلاثاء، فبراير ٠٩، ٢٠١٠

فى صحبة "السيد"

كان الذى كان، وكأنه ما كان!

كأنه الحلم، وتحقق!

لا بل هو حقًا حلم وتحقق!!!

كنت أعد العدة للسفر للذهاب لمعرض الكتاب، ولكنى قلت أسافر الجمعة صباحًا وأصلى فى المقطم مع شيخنا يسرى رشدى السيد جبر فى مسجد الأشراف، وأقابل أيضًا شيخة أسامة السيد الأزهرى، ولكن الله لم ييسر السفر يوم الجمعة فكان السبت صباحًا.
ذهبت للمعرض مع صلاة الظهر، فكان على أن أصلى قبل كل شئ، حتى أستريح وأنا أمشى ويذهب عنى إحساس الذنب الذى يظل يلازمنى كلما أجلت صلاة، فصليت فى المسجد لأنى لم أجد أحدًا يصلى فى الحدائق الممدوة بطول وعرض المعرض، وبعد الصلاة دخلت الجناح المقابل للمسجد وهو سراى (جناح) ألمانيا، رغم أن هذا الجناح ليس ضمن اهتماماتى لعدم وجود المكتبات التى أفضلها بداخله، ولكنه القدر الذى جعلنى أدخل، ودخلت أول صف فى اليمين ، ولا أعرف لماذا، ولكنه القدر.
وكانت المفاجأة، فبعد أن كنت أنظر وأنا لا أرى المعروض أمامى من الكتب ـ لعلى كنت مسير لهذا الذى سيحدث فلم أرى شئ حتى لا ألتفت له فيشغلنى ـ وكان النداء الذى لم أكن أتوقعه، مع أنى تخيلته مرات، حقيقـةً مع أنى تخيلت الذى سيحدث ولكنى لم
أكن أتوقع حدوثه على أرض الواقع ولا بهذه السرعة الذى حدث بها، وأول شئ بعد الصلاة.
لم يكن النداء من كتاب من ورق!!!، ولكن من كتاب من لحم ودم!!!
كان النداء الذى أسعدنى هو نداء شيخى أسامة لى..
"إزيك ياشيخ عبد الله"

فالتفت لأجده واقفًا أمامى يمسك بأحد الكتب،ويلبس ملابس عادية ـ ملابس الفرنجة بنطلون وقميص وجاكت كبير يصل إلى ركبته ـ فدار فى رأسى سؤال، كيف لم أره؟..
ولكنى سلمت عليه وملت لألثم يده لكنه سحبها بلطف، سألنى عن عدم ظهورى، فأجبت أنى أعد العدة للتقدم للتجنيد، دعا لى بالتوفيق، فسالته عن اسم كتاب ينصحنى به فأشتريه، لكنه غاب عنى، بين الكتب والأوراق، حتى التفت فجأة فوجدنى، وكأنه لم يكن يتوقع وجودى أو كأنى ظهرت فجأة، فتذكر.. وابتسم، فسألته عن اسم كتاب ينصحنى به.. فغاب مرة أخرى، ورغم سعادتى باللقاء لم أكن أعرف ماذا أفعل، هل أمشى وأتركه يغيب بين الكتب؟ أم أنتظر حتى يفاجئ بى مرة أخرى؟، حقيقـةً لم أكن أعرف، فتجولت داخل دار النشر اللتى كنت أقف على بابها فلم أجد ما يشدنى، فاحترت مرة أخرى، فقررت الرحيل وقلت لو أن لى نصيب من اللقاء أكثر من هذا فسنلتقى، فمشيت، وظللت أدور بين دور النشر، ودخلت الصف الذى يليه، وكان النصيب الذى كان قد قدر، فوجدت شيخى مرة أخرى فى دار تفصل بين الصفين ومفتوحة من الجانبين، فرأنى فسلمت عليه ولثمت يده، فسألته عن اسم كتاب ينصحنى به، وذكرته أنه قد طلب من نحن المصلين فى مسجد السلطان حسن وهو واقف فوق المنبر أن نقرأ كتاب "بداية الهداية" للإمام أبو حامد الغزالى وقال أن هذا الكتاب صغير الحجم عظيم النفع، وقد كان، فسعدت به بعدما اشترينه وقرأته، وفى السنة التى تلتها نصحنا أيضًا من على نفس المنبر أن نقرأ كتاب "التفكير فريضة إسلامية" للأستاذ عباس محمود العقاد، فاشتريته وتعرفت من خلاله على الأستاذ العقاد وسعدت به أيضًا، ولكن
ى لم أكد أكمل كلامى حتى كان الذى عهدته منه، غاب عنى الشيخ!!!، فروجته أن يخبرنى حتى لا أعطله.. فصمت!، فحدثنى نفسى بأنى لا أريد أن أبتعد عن الشيخ فقلت أسأله الصحبة فإن وافق كان بها وإن كان العكس فلا ضير، وكنت قد لاحظت أن معه شيخ وشخص أخر لا أعرفهما، فتلفت الشيخ فجأة وسأل عن الشيخ أشرف فعرفت أنه الذى كان واقف بجانبه ويلبس الجلباب فنظرت فى الصف الثانى ورجعت لأخبره بأنه ليس موجود به فقال ها هو فى الأمام ومشى فمشيت خلفه، وكأن الذى دار فى رأسى قد وكأن البحث والمشى خلفه هو استأذان بالصحبة، فوقفنا أما رأس الصف الثانى أو الثالث لا أذكر ولكنه ـ شيخى ـ سأل الشيخ أشرف عن كتاب لطالب علم فسالنى الشيخ أشرف بعدما وجه لى وجهه هل كتاب فى الفقه؟ فقلت فى أى شئ فقال "أى شئ" هذه واسعة.. وسكت ولم يجب، فسألنى شيخى عن كتاب مجالس الصالحين وهل هو عندى ـ حقًا لا أذكر اسم الكتاب بالتحديد ولكنى أعتقد أن هذا اسمه ـ فقلت لا فقال عندى نسختان ولك واحدة فشكرته.
وكنا قد وصلنا إلى دار النيل للنشر وهى دار تنشر كل أعمال الشيخ محمد فتح الله كولن من تركيا فنظرنا إلى بعض الكتب ومشينا، ودخل شيخى دار نشر وظل ينظر للكتب ويغيب بين عناوينها وترك شنطة بها كتاب له على أحد الأرفف فتوجهت ناحية الشنطة وأخذتها فن
ظر لى الشيخ أسامة وقال لى جزاك الله خيرًا فابتعدت عنه قليلاً حتى أترك له المجال للنظر، فحمدت الله على أنه وافق على الصحبة بدون أن أطلبها، وكأنه قرأ ما يدور فى نفسى فحمدت الله مرة أخرى.
وتذكرت فى هذه اللحظة مقالات الشيخ التى يكتبها وتذكرت مقالة مميزة كانت لها ذكرى، فقد كتب شيخى مقالة عنوانها "هيا بنا نسرق" التى وضعتها على مجموعة الشيخ فى موقع الفيس بوك ووجهن رسالة لكل الأعضاء عنوانها "شيخ يدعوا للسرقة" ووضعت رابط للمقالة، وكان رد أحد الأعضاء عنيفًا بأن الشيخ أعلم منى ومن أهلى، ورغم أنى كنت متفق مع ما قاله هذا العضو ولكنى رأيت أنه لم يفهم مقالة الشيخ أو أنه لم يقرأها، فرددت عليه بأن الشيخ هو الذى كتب المقالة وهو واضع عنوانها وإن لم يكن هو واضع عنوانها فهو موافق على
هذا العنوان بدليل أنه لم يعترض وهو أيضَا فى داخل المقالة يدعوا للسرقة، فقرأ المقالة واعتذر وأصبحنا أصدقاء، ولكن الذى شجعنى على صحبة الشيخ هو دعوته للسرقة التى جائت فى المقال فتحدث فى البداية عن الرفيق فقال:
"هل يرتفع الطائر بلا جناح؟!!
هل تبصر بلا عين؟!!
هل تسير بلا قدم؟!!
هل تعيش بلا روح؟!!
هل ترحل بلا رفيق؟!!!
***************

الرفيق....
الذي إذا نسيت الله ذَكّرك.
وإذا ذَكَرته أعانك.

وإذا توجهت إلى الله دَفَعك.
الرفيق..
الذي سطعت مكارمه.
وظهرت شمائله.
وزاد بالله تعلقه.
ورأيت في صفحته النقية همم الأكابر.
وأخلاق الصالحين.

الرفيق..
الذي اتضحت عنده الوجهة.
وامتلأ بالعزيمة والذكاء والفكر الحر..
والعقل المبدع..
وفهم سر الحياة..
وعرف مراد الحق سبحانه..
وآثر الله على ما سواه.
وتعلق بالملأ الأعلى..
الرفيق..

الذي صار عبدا ربانيا..
يقوم بواجب وقته..
ويسعى بين الناس بالهداية..
ويتشرف بوراثة النبيين..
ويتحرك في الأرض بالعمران، مع الإنابة إلى الدار الآخرة."

ولم يكد الشيخ يكمل المقالة حتى شجعنا على السرقة فقال:
"
طبع الإنسان شديد الحساسية والتأثر..
يلتقط بسرعة...

وعلى نحو شديد الخفاء...
وتنطبع فيه المعاني الدائرة في طباع الآخرين..
فإذا خالط الإنسان رفاقه تلاقحت عقولهم..
وتبادلوا المعارف والخبرات...
والطبع من وراء ذلك يختلس من طباعهم..
وتسري إليه -على نحو خفي- سجاياهم وعاداتهم...
فإن كانوا أهل رفعة ونور وبصيرة وجد الإنسان في اجتماعه بهم انشراحا.
وإقبالا على الله.

وزيادة في همته..
وأيقظوا أشرف ما في النفس من شمائل.
وإن كانوا غير ذلك فإن الطبع ينتكس بمخالطتهم..
ويجد الإنسان في نفسه فجأة أخلاقا غريبة حادة، لا يعرف من أين أتته.
ويوقظون أدنى ما في النفس من طمع وحرص ودنيوية، وبعد عن الله، وانقطاع عن الملأ الأعلى..
حتى عبر ابن الجوزي -رحمه الله- عن هذا المعنى تعبيرا لطيفا جدا، لا يمكنك أن تنساه، قال: "وينبغي أن يُعْلَمَ أن الطبعَ لِصٌّ، فإذا ترك مع أهل هذا الزمان سرق من طبائعهم، فصار مثلهم، وإذا نظر في سير القدماء زاحمهم، وتأدب بأخلاقهم".
نعم، الطبع لص، يسرق بلطف.
ونحن نريد أن نتيح له السرقة من شمائل الصالحين، وأخلاق المتقين.
فإنها أشرف سرقة عرفها الإنسان في تاريخه."

ويدلنا الشيخ على هذا الرفيق:
"
ولكن..........
أين أجدهم؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وكيف أتوصل إليهم؟؟؟؟
وهل لمثل هؤلاء وجود؟؟؟
*******************


هناك أحد احتمالين:
أن يوفقك الله إلى صديق من هذه الفئة بدون تعب..
أو أن تتعب في البحث فلا تجد..
وحينئذ.........
إليك الحل....
هم يملأون الدنيا من حولك..
ولكنك تعزل نفسك عنهم..
خذ كتابا من الكتب التي شرحت أحوال الأكابر من هذه الأمة..
واستخرج لنفسك منه رفيقا..
وشيخا..
تعيش معه..
وتنقب عن تفاصيل حياته..
وترى أحواله الشريفة الزاكية..
وتخالط أنفاسه..
وتدعو له..

وتكون معه..
فقد فنيت أجسادهم..

وبقيت شمائلهم وأحوالهم..
وهم أحياء عند ربهم يرزقون..
فإذا اشتد تعلقك بهم كنت معهم..
ولا يضرك حينئذ بعد الزمان ولا المكان..
فقد قال لك الله كن معهم فكنت معهم...
ولهذا السر امتلأ القرآن بسير الأنبياء والمرسلين والصالحين.
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ} سورة يوسف، آية 111.
فكن يا صديقي من أولي الألباب، ينفتح لك الباب."
فتذكرت كل هذا الكلام وقلت أنا معى الرفيقان الصديق الذى من لحم ودم وهو شيخى والصديق الكامن بين الكلمات وفى الأحرف الموجود داخل الكتب، فحمدت الله.

وكانت الصحبة، فظللنا نمشى، الشيخان فى الأمام وأنا وواحد أخر خلفهم، وكلما اشترى شيخى كتاب أخذته، فقلت لنفسى فلتكن الخادم وليكن شيخى هو السيد، ألم يطلب سيدنا موسى من سيدنا الخضر أن يتبعه {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}، وأنا لست مثل سيدنا موسى، أأكون أفضل منه، وأنا بكل تأكيد سأستفيد، على الأقل سأستفيد كيف ينظر شيخى للكتب وعلى أى أساس يشترها وأشياء أخرى لا أعرفها ولكنى سادركها فى وقتها {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا }، {فَانطَلَقَا}.

وانطلقنا نحن بين جنبات الجناح، ولاحظت أن شيخى يذكر للشحص الذى معنا ولا أعرفه أننا قربنا على الانتهاء، حتى وقعت عينى فى عين هذا الشخص فابتسمت له فرد على بابتسامة، ولكنى أعتقد أنى رأيته من قبل فشكله ليس بغريب علىّ، فذهبت له وسلمت عليه وسألته عما إذا كنا نعرف بعضنا من قبل فشكله ليس بغريب علىّ، فجاوبنى بسؤال وقال لى منذ متى تعرف الشيخ أسامة؟ فقلت له منذ حوالى تثلاث سنوات أو أربع، فقال لهذا أن تعرفنى، قلت له أرأيتك مع الشيخ من قبل، فقال أنا أخوه وفينا كثير من الملامح ـ أو كما يقول المصريين بينهما شبه ـ قلت نعم ولكن لماذا لم ألاحظ هذا، أيكون لعدم وجود ذقن، قلت ربما وظللت أنظر له ولشيخى!!!، وعرفته بنفسى وعرفنى بنفسه فقال عصام السيد ـ أتمنى أن تكون الأسماء دقيقة فبعد الزمن قليلاً وكثرة المشاغل قد تنسينى الكثير فأرجو المعذرة ـ وتحدثنا قليلاً ومشينا خلف مشايخنا فقد حدثنى الأستاذ عصام عن أنه يرى الشيخ أسامة شيخه رغم أن الشيخ أصغر منه سنًا، وذهبنا إلى دار نشر تعرض أعمال الأديب العالمى باولو كويلهون ونظر شيخى لرواية الخيميائى وقال للشيخ أشرف هذه الرواية من أكثر الكتب مبيعًا وهى قد احدثت ضجة، فقلت هى جيدة، ولا أعرف لماذا تحدثت هل حاولت أن أظهر لشيخى أن مثقف وقارء ! لا أعرف! ولكنى شيخى كان رحيمًا فسألنى إن كنت قد قرأت رواية عزازيل فقلت له نعم، فسألنى عن ماذا تتحدث الروايتان، فأجبت بأن الروايتان يجمعهما فكرة البحث فبط الخيميائى يبحث عن الكنز الذى قيل له عنه ـ لا أذكر اسماء الأشخاص فى الرواية للبعد الزمنى للقراءة ـ والبطل فى عزازيل الراهب هيبا يبحث عن الحقيقة، حقيقة الأشياء، فهو غير متيقن من حقيقة الأشياء التى يتداولها الناس فهو يشك فى كثير مما يقال عن السيد المسيح وألوهيته، وأنه ابن الله، وتمثله فى الجسد، فهو يبحث عن حقيقتها كما يبحث عن التعلم، تعلم الطب ـ ربما تكون إجابتى هنا أكثر وضوحاً مما قلته لشيخى ـ، فانطلقنا حتى خرجنا من الجناح وقد كنت حملت الكثير من الكتب، فقال شيخى نذهب ونضع الكتب فى السيارة وكان هذا بعدما استشار شيخى الشيخ أشرف عن الوجهه وكبف نمشى وأين نذهب، وذهبنا ووضعنا الكتب وأهدانى شيخى كتابه "صائد اللؤلؤ" وهو عبارة عن جزء من مقالاته التى ينشرها على موقع بص وطل، فشكرته، وصلينا الظهر، وجعل شيخى الشيخ أشرف هو الإمام، وكنت اقتربت من الشيخ أشرف بعدما تقدم خطوات للأمام للذهاب لموضع الصلاة القريب من السيارة، وسألته بأدب عن اسمه وأنى أعرف أن اسمه الشيخ أشرف وفقط ولا أعرف عنه شئ فقال لى أنه الشيخ أشرف مكاوى شيخ مسجد فى منطقة 6 اكتوبر، وقد قالى لى أخى بعد ذلك أنه كان شيخ مسجد السيدة نفيسة، وكنت انا قد سمعت به من قبل، فرحبت به، ولا حظت قبل الصلاة أيضًا ونحن فى طريقنا للخروج من جناح ألمانيا أن هناك شاب يمشى معنا لا أعرفه، وبعد الصلاة التى صليتها أنا للمرة الثانية حيث كنت قد سبقتهم حينما دخلت المعرض.

ولا أعرف هل نفسى التى حدثتنى أم الشيطان بسؤال كيف يؤخر هؤلاء المشايخ الصلاة، أليس الواجب أن يصلوا الصلاة فى أوقاتها، ألم يروى أن أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها، فلماذا أخر الشيخان الصلاة، ووجدت سؤال يدور فى رأسى أواهذا الذى كنت تبغيه من الصحبة؟ فاستعذت الله، وقلت حسب علمى هذا خطأ وفد يكون فى الأمر إباحة عند الإنشغال، ولكنى أكدت على أن هذا الأمر خطأ وما كان يجب أن يخرج منهما، ولذت فى صمتى.

فانطلقنا وافترق عنا شقيق شيخى ودخل سراى 5 التى بها الأهرام لبعض حاجته وصمم شيخى على أن نشرب شئ فشربت أنا والشيخ أشرف شاى وشيخى شرب عصير والأستاذ مصطفى ثابت الذى كان يصحبنا منذ البداية شرب عصير، وكنت قد تعرفت على هذا الشاب النابه، جميل الخلقة والخلق، فهو درعمى ـ من كلية دار علوم ويقال للذى ينتسب لهذه الكلية درعمى ـ وقد دار بيننا حديث عن شيخى.

وبعد الاستراحة وهبوب بعض النسمات وهطول بعض القطرات من ماء السماء، وكأنها نزلت من السماء لتروى الكتب بمائها فيخرج كل كتاب سنبلة وفى كل سنبلة مائة فائدة والله يضاعف ما يشاء، أنشد لنا أستاذ مصطفى بعض أبيات من الشعر نسبها لصديقه، وقد علق الشيخ أشرف على صاحب الأبيات بأنه سينتظر كثيرًا حتى يصبح شاعرًا، وقال كيف يقول فى شعره "وينثر الشعر فى جيبى"، أينثر الشعر فى الجيب! هذا عجيب! وهذا ليس تصويرًا، ووقفنا لننطلق واستشار شيخى الشيخ أشرف عن الوجهة والطريق، فاقترح سراى كندا، وعند الباب طلب شيخى من الأستاذ مصطفى أن يجلب له كتب طه عبد الرحمن، وهنا لم أعرف ماذا أفعل أأذهب مع الصديق الجديد لشراء الكتب أم أظل مع شيخى، فنظرت لشيخى حتى يخبرنى بما يريد، وكأنه قرأ ما فى رأسى من أسئلة، فرد على أسئلتى بسؤال! "تحب تروح مع الأستاذ مصطفى" يخيرنى بين البقاء معه أو الذهاب مع مصطفى، وكأنه يطلب ولكن فى خجل، فقلت له سأذهب معه لنشترى الكتب، فأنا سأنتظر الشيخ حتى يجلب كتبه وأنا سأنظر هنا وهناك على المعروض، فقلت أن فى الذعاب فائدة أكبر، وهو مشاركة هذا الشاب ومعاونته، وقد كان، فافترقنا شيخى والشيخ أشرف، ومصطفى وأنا، ومشينا نتحدث عن شيخى فبدأت بأن الشيخ أمره عجيب فى الإجابة على الأسئلة فهو لا يجيب على قدر السؤال! بل يزيد فى الإجابة حتى ترى الأمر بصورة مختلفة فمرة بعين الصقر ومرة بعين فاحصة، وشتان بين العينين، وهو يزيد على هذا بأن فى الإجابة يرد اسم أكثر من كتاب، حتى أنى قررت حينما كان يخطب فى مسجد "السلطان حسن" أن أكتب كل مايقوله من كتب فقط، ولكن حالة بين هذه الرغبة التى كنت أعددت لها أجندة لكتابة أسماء الكتب فيها أن ترك الشيخ المسجد وتركت أنا القاهرة، فقال الأستاذ مصطفى أن هذا الأمر راجع إلى الشيخ "عبد الله الصديق الغمارى" فقد ذكر أن أهل مصر يحبون الإجابة المختصرة على السؤال أى أن هذا الأمر حلال أو حرام ولا شئ آخر، بينما أهل المغرب يفضلون الإجابة التى تنتج بحثًا آخر، فيزدا الإنسان علمًا، وقال مصطفى أن الشيخ أسامة قد ذكر هذا الكلام فى رسالة الماجستر، فسعدت بهذه الإجابة.

وفى رحلة البحث عن كتب الفيلسوف "طه عبد الرحمن" التى لم نجدها فى مكتبة مدبولى فرجعنا إلى سراى ألمانيا، وهناك افترقنا أنا ومصطفى ولم أعثر عليه فرجعت إلى شيخى فاخبرته بما كان فابتسم، وجاء مصطفى بالكتب، وذهبنا لنضعها فى السيارة، فقال شيخى نصلى العصر، فانتبهت، وسألت نفسى كيف لم أسمع الأذان ولم أنتبه له، فأدركت لماذا أجل الشيخان الصلاة، فالغياب بين الكتب والبحث والنظر إليها لا يسمعك شئ آخر وخصوصًا وأن القاعات أسمنتية تحجب الصوت مع وجود ضجيج الزوار، فعذرتهم وندمت على أنى نظرت إلى مشايخنا هذا النظرة التى كنت ذكرتها بعد صلاة الظهر من تأخير الصلاة.. الخ.

وهنا يجب أن أذكر شئ قبل الفراق ـ فراقكم لقرب نهاية الموضوع وفراق الشيخ ـ وهو أن شيخى الشيخ أسامة أمّر الشيخ أشرف مكاوى وجعله أميرنا وهو هنا يقيم حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام الذى رواه أبو هريرة "إذا خرج ثلاثة فى سفر فليؤمروا عليهم أحدهم " وعرفت لماذا يجعله شيخى إمامنا فى الصلاة وعرفت لماذا يسأله قبل كل خطوة إلى أين ياشيخ أشرف؟ وربما كان الذى من شيخى لرؤية أخرى لا أعرفها ولكن هذا تفسيرى لها، فأدعوا الله أن أكون وفقت.

واجتمعنا مرة أخرى مع شقيق الشيخ الأستاذ عصام السيد، وكان قد عرض على الشيخ كتاب "سياحة نامة" للمؤرخ التركى "أوليا شلبى"من أحد الأصدقاء الذين قابلونا قبل لقاء الأستاذ عصام السيد، فأعجب به الشيخ وطلب منى أن أعطيه الكتب التى معى ونلحقه فى سرتى 7 بعد أن نذهب أنا ومصطفى مرة أخرى لكى نجلب هذا الكتاب من الهيئة العامة للكتاب الموجودة فى سراى 4، وقد كان، وعند خروجنا أنا والأستاذ مصطفى من السراى ( الجناح ) بعد شراء الكتاب، قلت له سأذهب أنا لسراى 3 لشراء كتاب الموتى المنشور فى سلسلة الذخائر من هيئة قصور الثقافة، وقلت له سألحقكم، وبعد أن اشتريت الكتاب ذهبت لسراى 7 وبحثت عن دار ابن كثير التى أخبرنى شيخى أن سيكون بها فلم أجدها فبحث داخل القاعة فلم أجدهم بحثت أكثر من مرة، وكان نفس الرد، لا يوجد أحد.

وكما التقينا فجاة افترقنا فجاة، فمشيت وقلت لنفسى هذا حظك من الصحبة، ولو قدر الله لك أكثر من هذا لكان، ولكنه لم يقدر غير هذا، فشكرت الله وحمدته على هذه الصحبة الطيبة.

وفى المساء قبل أن أغوص فى أحلامى، استرجعت الأمر الذى كان، فتذكرت أنى فى صلاة الظهر التى كانت قبل القاء دعوت الله فى سجودى، وقلت "إلهى دلنى على من يدلنى عليك وأوصلنى إلى من يوصلنى إليك" وهذا الدعاء لسيدى مصطفى البكرى فى ورد السحر.

وعرفت أن الله استجاب دعائى، فحمدت الله، فالحمد لله على على كال حال.

وهذا الذى كان، أوردته من غير تدقيق، فكثير من الجمل التى وردت على لسان مشايخنا غير دقيقة لأنها من الذاكرة، وأنا والحمد لله ذاكرتى ليست جيدة، فالحمد لله. فأرجو العذر على هذا التقصير، ولكن الذى جعلنى أكتب هذه الكلمات هى حبى فى شيخى وحبى لإظهار مثل هذه الذكريات الدفينة بين أضلع المريدين والعشاق، فأرجوا الله أن يخرج الجميع ما لديه من ذكريات عن مشايخنا، فالبعد قاسٍ، فلتكن مثل هذه الكلمات والذكريات غطاء نتدثر به فى برد البعد عمن نحب.

وقد كان الذى كان وكأنه ما كان!!!

المقالة بشكل أفضل على مدونتى الأخرى على وورد برس

هناك تعليقان (٢):

أحمد يقول...

بارك الله فيك يا عبد الله ونِعْمَ ما صنعت من تدوين مثل هذه الذكريات، وأذكر أنى لقيت الشيخ فى الجامعة، ومعه كتاب كبير، فحملته عنه وسرت معه حتى وصلنا إلى الجامع الأزهر وكنت أسمع أسئلة من يقابله وإجابته عليها، وأشترك فى الحديث وأسأله حفظه الله عن ما يرد على خاطرى، وكان صدر الشيخ رحبا لكل ما أقول، مجيبًا فى تدفق فياض، ووقفت معه أمام الجامع الأزهر نكمل الحديث، والشيخ يستمع ويجيب ويتحدث وأعطانى أكثر مما أريد من الوقت والحديث.
بارك الله فى فضيلة الشيخ أسامة ومتعه بالصحة والعافية ويسر له لقاء تلاميذه والتدريس لهم بانتظام.

نور الدين علي الشاذلي يقول...

أحسنت شيخ عبد الله، وبارك الله لنا في مشايخنا الشيخ أسامة والشيخ أشرف، وبالمناسبة المسجد الذي يخطب فيه الشيخ أشرف هو مسجد جامعة مصر الدولية بمحافظة السادس من أكتوبر