الأربعاء، ديسمبر ٢٣، ٢٠٠٩

الأزمة المالية.. والنظرة الاشتراكية


فى شارع عبد الخالق ثروت داخل نقابة الصحفيين، عقد مؤتمر أيام اشتراكية الذى نظمه مركز الدراسات الاشتراكية، وكانت هذه أول مرة أتعرض فيها لمثل هذا الموضوع ربما أكون قد قرأت عن الاقتصاد فى بعض كتابات جلال أمين، لكن هذه المرة كانت عن قرب، وكانت هذه الندوة عن الأزمة المالية العالمية. كنت هناك فكتبت ملخص لما قيل هذا هو..

يقول كريس هارمن أن هذه الأزمة شئ خطير، وهناك بعض الإدعاءات أن الأزمة قاربت على الإنتهاء وهذا غير صحيح.


النظام الرأس مالى فى العناية المركزة


وقد قال جورج بوش للكونجرس إذا لم تتحركوا فهذا المخلوق ـ النظام الرأس مالى الجديد ـ سيموت، وما فعله الكونجرس هو أن حولوا مجموعة من الترليونات إلى هذا النظام. وبالتالى هم وضعوا النظام الرأس مالى على جهاز تنفس صناعى فى غرفة العناية المركزة. وبالتالى هذا ليس تعافيًا من الأزمة، والسؤال الآن هل سيحيا النظام الرأ مالى إذا توقف الدعم المالى؟ هم لا يعرفون!
وكبار رجال الاقتصاد يجيبون على سؤال إذا توقف الدعم وقطعت أجهزة الكهرباء عن المتوقع حدوثه؟ بعضهم يقول سينجوا والبعض لا يتوقع ذلك!!!
وهذه الأموال التى دعم بها النظام لا بد من استعادتها من مكان ما؛ وبالطبع هى من الكادحين.
ورجال الاقتصاد الذين يأخذون مكافئات للخروج من الأزمة هم من تسببوا فى الأزمة وكانوا يأخذون أيضًا مكافئات.
ويقول صندوق النقد الدولى للدول الكبرى يجب أن تخفض من نفقاتها. ويتعجب هارمن من رجال الاقتصاد الذين بقولون للناس لا أحد مسؤل عن الأزمة ويقولن لهم المثل "كلنا فى قارب واحد" للدلالة على أن الجميع متضرر، الفقير والغنى.
والحقيقة أن هناك خطأ فى طبيعة النظام الرأس مالى بشكل عام، وفى كل هناك أزمة للرأس مالية والإستثناء ال25 سنة التى تلت الحرب العالمية الثانية؛ والسبب كان فى الانفاق على السلاح، وفى السبعينيات لم تعد هذه السياسة ناجحة فى مواجهة الأزمة.

كارل ماركس وتحليلاته

والذى شرح هذه الأزمة هو كارل ماركس الذى قال أن الفائدة يمكن مصها من الكادحين، وكارل ماركس يشبه الرأس مالية بمصاص الدماء، وهذا المصاص للدماء كلما كبر احتاج إلى دماء أكثر!!!
ورؤية ماركس أن هذه الأزمة ستحدث كل 10 سنوات وستكون أعمق وأعمق، وكل ما ستفعله الرأ مالية هو الضغط على الكادحين والعمل لكى تعوض خسارتها.
.............................................

خطورة الأزمة المالية الراهنة أن هناك عشرات المليارات تبخرت ومئات العنال تشردوا. بهذه الكلمات ابتدأ جلبر أشقر كلمته فى الجلسة الأولى من أيام اشتراكية، وصف جلبير أشقر هذه الأزمة بأنها من أعظم الأزمات الإقتصادية منذ ثمانين عامًا وقال أنه من الصعب التكهن بما سيحدث فى ما بعد الأزمة.


كارل ماركس .. من جديد

يقول جلبير أشقر أن هذه الأزمة جائت لتؤكد تحليل كارل ماركس الذى اعتبر أن وجود الأزمات العميقة حتمى فى نمط الإنتاج الرأس مالى، وهذا يعنى تدمير دورى لفائض الانتاج. ونمط الانتاج هذا مبنى على فوضى السوق.
ويعتبر أشقر أن تحليل كارل ماركس مسألة ملحة للخروج من هذا النمط الفوضوى الرأس مالى.
ويقول أشقر أن هذه الأزمة جائت لتدخض فكرة النمط المستجد فى النظام الرأس مالىالذى نشأ فى التسعينات، وكان هذا النظام قد ادعى بأنه النظام الاقتصادى الجديد الذى يتحدى معارضة الأزمات، وضربت هذه الأزمة القائلين بأن السوق حاكم لنفسه ( النيوليبرالية )وهذا درس تاريخى بأن السوق لايمكن أن يضبط نفسه ولا بد من تدخل لتنظيم الاقتصاد.
ويضيف أشقر بأنه رأينا تدخل جيد للحكومات على نطاق واسع وبعض هذه الأنظمة متشدد فى النيوليبرالية مثل حكومة جورج بوش الابن وليس هذا تراجع عن النيوليبرالية بشكل عام.


الكنزية.. فى مواجهة النيوليبرالية

وهذا التدخل ـ من قبل الدولة ـ ليس عودة للكنزية، لأن الكنزية شئ مختلف. فقد قامت الكنزية بعد الحرب العالمية الثانية وقد كانت انعكاسًا لموازين القوى الاجتماعية فى ذلك الوقت، وموازيت القوى الحاليى بعيدة عن تلك التى كانت بعد الحرب العالمية الثانية وبعيدة أيضًا عن الحركات الاجتماعية فى التسعينيات.
وللخروج من النيوليبرالية علينا بناء حركات شعبية واسعة وقوية.
وفى النهاية الجلسة استغرب وصف بعض الاقتصاديين البرجوازيين وصف الأزمة بالتدمير الخلاق.



دعوة معرفية.. لأيام اشتراكية

كنت كالطفل الذى يريد تجريب الأشياء، فيضع أصبعه فى الكهرباء، بكل تأكيد هو لن يلمسها مرة أخرى ـ لو عاش ـ وربما أصابته منها عقدة.
ولكن حالى يختلف بعض الشئ عن الطفل، فالطفل يعبث فى الكهرباء، وأنا قررت العبث فى الأفكار، قررت أن أعرف هذا الفكر وذاك المذهب.
الأقدار هى التى تضع أمامنا المنح والمحن، وفى طيات كل محنة منحة والعكس صحيح. فكانت دعوت الدكتورة هبة رءوف عزت إلى مؤتمر أيام اشتراكية فى مقالها بجريدة الدستور ( أيام اشتراكية.. وهموم اجتهادية ) وكان دافعًا قويًا للذهاب إلى هذا المؤتمر، حيث أنى لا أعرف عن الاشتراكيين غير أنهم اشتراكيين، بعضهم ملحد، وكانت لهم فى الماضى أيام، وصل بهم الحال الآن إلى حناجر على ورق لا صوت لهم. وأشارن الدكتورة هبة إلى جزء من هذا التصور وهو عام عند كثير من الناس فتقول "
أحد الأخطاء التاريخية للصحوة الإسلامية هي اختزالها الاشتراكية في الماركسية، ثم اختزال الاثنين في الإلحاد. بسيطة خالص وسهلة ومريحة، لكنها حسبة غير دقيقة وثمنها السياسي فادح " وزادت بقولها" حرم هذا الموقف التبسيطي الفكر الإسلامي المعاصر من مساحة متاحة لفهم أطروحات غاية في الأهمية هي بمثابة الدليل الإرشادي لفهم كوارث الرأسمالية وأزمات الليبرالية في مرآة خصومها التاريخيين في عصر الأيديولوجيا، خرجنا من بينهما سالمين وتجاهلنا صلة هذا الجدل بهموم أصحاب الدين وحسبنا أننا بذلك تجنبنا «الكافرين»، والحق أننا أهدرنا فرصاً للتعقل والتدبر ومساحة تقاطع في مناهضة الذين يكفرون بالدين فعلاً وهم الذين- بنص القرآن- لا يحضون علي طعام المسكين " وهى بهذا دعتنى إلى معرفة أشياء أجهلها بطبيعة الحال، فقررت الذهاب ولم تكتف الدكتورة هبة عند هذا الحد بل وجدت على الفيس بوك خاطرة لها تدعوا فيها الناس للذهب، وقد كان.

الأربعاء، يوليو ٠١، ٢٠٠٩

تمثيل الغناء


كان الإنتقال من عالم الغناء إلى عالم التمثيل حلم يراود أغلب المغنيين، حتى أساطين الغناء فى العالم العربى لم يتخلوا عن هذا الحلم ومحاولة تحقيقة، وليس فى العالم العربى فقط بل فى العالم، ولعل فى هذا محاولة لتخليد أسمائهم بالغناء تارة وبالتمثيل تارة آخرى، وإظهار أنهم موهوبون ليس فى الغناء فقط ولكن أيضًا فى التمثيل .
فمثلاً سيدة الغناء العربى قامت بتمثيل ست أفلام أولها وداد 1936 وأخرها فاطمة 1947، وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مثل أول أفلامه الوردة البيضاء 1933 وأخرها لست ملاكا 1946 ، والقائمة تطول من مغنيين حاولوا تخليد أسمائهم عبر الشاشة الفضية وهذا عبد الحليم حافظ ومحمد فوزى وفريد الأطرش.. ، وهذا مفهوم إلى حد كبير.
ما يحدث الآن هو أمر غريب هو انتقال بعض الممثلين إلى الغناء، وهذا ليس عبر أن يغنى الممثل داخل الفلم ولكن بإنتاج شرائط وفيديو كليب، وها هى سمية الخشاب بطلة أفلام خالد يوسف تدخل عالم الغناء بألبوم غنائى اسمه هايحصل ايه وكأنها تقول هايحصل ايه لما أغنى ، والممثلة لقاء سويدان تدخل عالم الغناء أيضًا بألبوم فرحة حياتى، وليس شأننا أسماء الأغانى أو الألبوم ولكننا نطرح فكرة المشى عكس التيار وهل ستنجح مثل هذه المحاولة؟ لا أحد يعلم على وجه التحديد، فهناك فى كل ساعة مغنى جديد يظهر مع ظهور قناة أغانى جديدة أيضًا كل ساعة، وكما يستثمر المغنى أسمه وشهرته فى التمثيل، يحاول الممثلين أن يستغلوا أسمائهم وشهرتهم فى الغناء، وبالطبع لا ننسى محاولة بعض المغنيين التوجه للتمثيل والتفرغ له، وكان أخرهم المغنى سابقًا والممثل حاليًا إدوارد الذى تفرغ للتمثيل وترك الغناء.
هل ستتكرر المحاولة ( الإنتقال من التمثيل إلى الغناء ) أم سينتظر الكثير من الممثلين نتائج المحاولة، الأيام القادمة ستظهر لنا نتائج هذا المحاولة، ومشاهدة المحاولات الأخرى التى قد تظهر فى الأرجاء .

الأحد، يونيو ١٤، ٢٠٠٩

( الرجل الكبير ) هل يفعلها.. ويعتزل ؟!




إضافة مقاعد خاصة للمرأة ( 64 مقعد ) وأنباء عن حل مجلس الشعب وانتخابات برلمانية فى غضون ثلاثة أشهر، كلها مؤشرات على اعتزال الرئيس مبارك من الحكم وإجراء انتخابات رئاسية، لكن لماذا هذا الاعتزال؟، أو بمعنى أدق لماذا هذا الحديث عن الاعتزال؟.

الكل فى مصر يعف أن الرئيس هو وحده

صاحب القرار فى كل شئ من أول تعيين الوزراء والمحافظين إلى رؤساء تحرير الصحف القومية، ولا يعرف عن الرئيس مبارك أنه استشار أحد فى اتخاذ أى من قراراته، ولكن الحديث ليس عن قرار سيتخذه الرئيس فى أمر من الأمور التى اعتدنا عليها ، ولكن الحديث عن اعتزال

الرئيس وانتخاب ( توريث ) رئيس جديد.

لكن ما الذى يجعل الرئيس يعتزل أو يستقيل؟

سؤال لن يجيب عنه أحد ( بصدق ) حتى الرئيس نفسه، لكن هناك توقعات وتخمينات عن الأسباب وهذه الأسباب غير المقدمات التى ذكرتها مذ قليل، وتشير هذا التوقعات إلى أن السبب الأهم الذى فجر قضية الاعتزال هو موت حفيد الرئيس ـ رحمه الله ـ والذى يقال أنه كان متعلق به ـ أعز من الولد ولد الولد ـ مثل مصرى صميم ينطبق بكل تأكيد على حالة الرئيس ـ فهو بشر ـ ، وقد أكد هذا اعتزال الرئيس الظهور فى الإعلام فترة بعد موت الحفيد، وإلغاء زيارة الرئيس إلى الولايات المتحدة، وقد شاهد الجميع حالة الإنهاك التى أصابت الرئيس عليها خاصة فى زيارة الرئيس أوباما إلى مصر، ولكن هذا ليس السبب الوحيد بل السبب الطارئ والعاجل الذى عجل بهذه الأحداث، فالحديث عن توريث الحكم ليس بجديد.

يتصاعد الحديث عن التوريث على فترات فى الصحف الحكومية ـ وغير الحكومية ـ وكأنه بالون اختبار، وتقف الصحف المعارضة فى وجه هذا المشروع بالمرصاد، ويتم تأجيل مشروع التوريث إلى أجل غير مسمى.

الآن وفى هذه اللحظات يقف مؤيدى مشروع التوريث خلف جمال مبارك (الوريث)، يدفعونه للأمام غير عابئين بما قد يؤدى إليه هذا التوريث، والوريث لا يريد أن يجلس على عرش مصر بعد رحيل الأب ففى هذا مخاطرة غير محسوبة، ولكن فى حالة وجود الأب تقل المخاطر ويصبح الوريث رئيس.

ولن يجد الوريث وشلته حال أفضل من هذا فالرئيس أوباما تحدث عن الديموقراطية باستحياء، فهو لن يضغط على دولة من أجل الديموقراطية بل من أجل مصالحه، والرئيس مبارك منهك بعد أن بلغ من الكبر عتيا ووفاة حفيدة، وغياب ـ أو تغييب ـ أى وجه يصلح للرئاسة بعد تفريغ كل الأحزاب وإشغالها بصراعات داخلية مرهقة، وتحجيم الإخوان المسلمين باعتقال أعضائها بالإضافة إلى عناصر من مكتب الإرشاد، ماذا تبقى؟، بعض الصحف المعارضة!!! ليست مشكلة، فهى تؤذن فى مالطة، والنظام دائمًا يفعل ما يريد

ستمتلئ الصحف والمواقع فى الأيام المقبلة لعرض الشكل الأمثل للقيام بعملية الاعتزال ثم التوريث، ولن يبقى أحد فى جوفه شئ إلا أخرجه، ولكن لا تفيد مثل هذه التحليلات أو التوقعات، لأن الجميع يعلم أن الرئيس دائمًا يخالف التوقعات ـ لأنه كما أشار سابقًا أنه لا يستجيب للضغوط الخارجية أو الداخلية ـ ولكن هل يستمر الرئيس على قراره هذا، أم ان الأيام والأحداث قد جعلت الرئيس مبارك يتراجع عن هذا المقولة.

القرار دائما كان فى يد الرئيس، والآن أيضًا القرار فى يده .

هل يفعلها ويعتزل؟ أم يخيب أمال وطموحات الوريث ويجلس على العرش مادم فى الصدر قلب ينبض ونفَس يتردد؟

هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة .

الخميس، فبراير ٠٥، ٢٠٠٩

أنـــــــا.. عبقرية العقاد



لا أعرف كيف أكتب عنه ، فهذا الرجل الذى حينما داعبه صديقه بعد أن استقبلا فى ركن من أركان ردهة المائدة الصغيرة صندوقًا مربعًا به حاكٍ ( راديو او مشغل الاسطوانات ) فقال الصديق: إن هؤلاء العازفين فى موضعهم هنا لأنهم يعزفون لك على الطعام ، فلا يفوتك حظ الخواقين والشاهات ( مش عارف معناهم بس شكلهم حاجه كبيرة ) فى قصور البذخ والسلطان!
فأجابه العقاد: إن الإنسان يا أخانا لا يأكل أكلتين فى لحظة واحدة: أكلة روح وأكلة معدة، وما من كرامة الموسيقى الرفيعة أن تشتغل بشئ آخر وأنت تستمع إليها.
هذا ما قاله العقاد لصديقه حينما داعبه ، فماذا كان سيقول حينما يسمع الآن ( وانا أكتب هذه الكلمات ) أغانى فرح شعبى من الطراز المتدنى !
يا لسخرية القدر!! أكتب عن العقاد وتصم أذنى أغانى من نوعية ( أنا شارب سيجارة بنى ) !!!
ولنبدأ مع العقاد كما فى كتابه ( أنـــــا ) .
فيبدأ العقاد الكتاب بالحديث عن نفسه فيقول إنه يرى نفسه عكس ما يراه الناس.
فيقول: فعباس العقاد هو فى رأى بعض الناس ـ مع اختلاف التعبير وحسن النية ـ هو رجل مفرط الكبرياء.. ورجل مفرط القسوة والجفاء..
ورجل يعيش بين الكتب، ولا يباشر الحياة كما يباشرها سائر الناس.
ورجل يملكه سلطان المنطق والتفكير ولا سلطان للقلب ولا للعاطفة عليه.!
ورجل يصبح ويمسى فى الجد الصارم فلا تفتر بضحكة واحدةإلا بعد استغفار واغتصاب.
هذا هو عباس العقاد فى رأى بعض الناس.
ويقسم العقاد بكل ما يقسم به الرجل الشريف أن هذا الرجل لا يعرفه ولا رأه ولا عاش معه لحظة واحدة ، ولا التقى به فى طريق.. ونقيض ذلك هو الأقرب إلى الصواب.
ويقول العقاد أنه لا يزعم أنه مفرط فى التواضع ولا فى الرقة واللين.
ولكننى أعلم علم اليقين أننى أجازف بحياتى، ولا أصبر على منظر مؤلم أو على شكاية ضعيف.
ويستدل العقاد على هذه الأوصاف التى خلعها على نفسه بحكاية..
أنه عندما كنت فى سجن مصر رجوت الطبيب أن يختار لى وقت للرياضة غير الوقت الذى تنصب فيه آلة الجلد لعقوبة المسجونين.
فدهش الطبيب، ظن أنه يسمع نادرة من نوادر الأعاجيب..
وقال لى فى صراحة: ما كنت أتخيل أن أسمع مثل هذا الطلب من العقاد "الجبار".
ومن يعتقد أن كتابات العقاد تحمل من اسمه الكثير ( التعقيد ) فهو خاطىء، فهو يكتب مذكراته بأسلوب سلس ، لا لبس فيه ولا غموض ـ اللهم إلا من بعض الكلمات القليلة التى كانت دارجة فى زمانهم واختفت الآن أو ندر استخدامها ـ.
فهو يتحدث عن أبيه وفى كلماته مسحة وقار واحترام ، وبالرغم من ذلك يذكر قصة طريفة..
كان لأبى حمار ينتقل عليه من قرية إلى قرية، حين كان معاونًا للإدارة، فلما استقر فى المدينة باعه لبعض المكارين ( جمع مكارى وهو العربجى ) ، وكان الحمار مشهورًا بالسرعة وهدوء الحركة، فكان المستأجرون يطلبونه فيقولون: "هات حمار العقاد" ثم اختصروا كعادتهم فأصبحوا يطلبونه فيقولون: " هات العقاد! هات العقاد" فلما سمع بذلك عاد فاشتراه وقبل المغالاة فى ثمنه على غير حاجة إليه ، وهذا لأنه لم يكن يغضب لشىء كما كان يغضب لكرامته وسمعة اسمه.
وحينما يتحدث عن الطفولة فيقول: إن الذاكرة ملكة مستبدة، ويراد بنسبة الاستبداد إلى هذه الملكة العقلية أنها تحفظ وتنسى على غير قانون ثابت.
واجمل المناظر التى تحتفظ بها الذاكرة من ذخائر العاشرة ـ وما دونها ـ منظر فتاة أوربية هيفاء ( مش هيفاء بتاعة الكليبات ) لفت نظرى أنها تسير وسط المدينة وتدير على خصرها حزامًا "أو مشدا" لا يزيد قطره على بضعة قراريط.. وتخطر فى الطريق الوعر كأنها تلمس أغصان الشجر بقدمى قطاة.
ولم أكن أفهم يومئذ أن نحافة الخصر جمال محبوب، ولكننى فهمت أنه أعجوبة نادرة، وتبعت الفتاة الهيفاء حول منعطفات الطريق، ولا أعلم لماذا أتبعها، ولايدور فى خلدى خاطر غير الاستزادة من هذا المنظر العجيب، الرشيق.
والعقاد يتصف بالذكاء منذ الصغر، فهو حينما تحدث عن أحد مدرسيه قال: كان لى أستاذ حساب وهندسة، يؤمن بالخرافات وشفاعة الأولياء، وكان محدود الفهم فى دروسه ولا سيما المسائل العقلية فى درس الحساب.
وكان يتردد على مسجد يعتكف فى زاويته رجل من المشهورين بالولاية وصنع الكرامات فدعانا جميعًا ـ نحن تلاميذ السنة النهائية ـ إلى صلاة المغرب معه فى ذلك المسجد، للتبرك بالرجل الصالح، وتلقى النصائح منه.
وجاء دورى فى تلقى النصيحة، فقال لى الرجل: "أما أنت فعليك باللغة الإنجليزية"..
وعجبت وعجب زملائى من هذه النصيحة، لأننى كنت من المتقدمين فى هذه المادة على الخصوص، ولكن زملائى فسروا هذه النصيحة بسر الولاية..
فلما اجتمعنا بالمدرسة فى أول حصة للحساب، قال الأستاذ الرياضى:
"تذكر نصيحة الشيخ يا فلان ؟"
قلت: "إن الشيخ لم يقل شيئًا"
قال وهو يحوقل: "كيف لم يقل شيئًا؟.. ألم ينصحك بالاجتهاد فى اللغة الإنجليزية ؟"
قلت: "نعم فعل.. ولكنه سيظفر بالسمعة فى علم الغيب أيا كانت النتيجة، فإن نجحت قيل إنها بركة لنصحه، وإن أخفقت قيل إنه قد عرف هذا فحذرنى منه"
وإلى لقاء آخر إن شاء الله..